يزور موفدو إدارات الدول الكبرى لبنان ودول منطقة الشرق الاوسط ويتنقّلون من عاصمةٍ إلى أخرى، ويلتقون مسؤولين رسميين، وممثّلين لمنظّماتٍ مُسلّحة، لها التأثير الكبير في زيادة درجات التصعيد العسكري أو زيادة التهدئة على الجبهات، محاولين في لقاءاتهم تأمين هدنٍ مطلوبة من اداراتهم للوقت الحالي، ورافضين الدخول في البحث عن حلولٍ لقضايا المنطقة. جلّ ما في الأمر، أنّ ادارات الدول الكبرى توفد موظّفيها، بمهمة ضبط الأعمال العسكرية منعاً للتفلّت، الذي قد يجرّها إلى الانغماس في المواجهات والحروب الدائرة في هذه المنطقة الملتهبة من العالم. إدارات لا تبحث عن حلول مستدامة لأزمات المنطقة، وما التسويات التي تطرحها إلّا أفكار لتأمين الهدن المرحلية المبنيّة على توازناتٍ هشّة، تفتقر لأدنى مستويات الاعتراف بحقوق الشعوب، والاشارة إلى الأسباب الكامنة بابقاء هذه المنطقة بؤرة تفجير، مفتوحة على شتى أشكال المشاريع التوسّعية.
يأتي الموفدون إلى المنطقة لمطالبة أنظمتها وقيادييها، بالابتعاد عن الخوض بعمق المشاكل المُزمنة، كي لا تضطر دولهم للولوج في أسس أزمات المنطقة المُعقّدة، على أبواب استحقاقاتها الداخلية التنافسيّة. فأي موقف قد تأخذه إدارات هذه الدول بخصوص أزمات الشرق الأوسط قد ينعكس أرقاماً تصاعدية لطرفٍ من أطرافها المتنافسة في استحقاقاتها الداخلية. ولذا، فالدور الذي يضطلع به موفدوها، هو الحرص على دفن معضلات أزمات شعوب منطقة الشرق الأوسط، إلى ما بعد الانتهاء من استحقاقاتها، ليتم التداول بها من قبل إدارات جديدة، وبذلك تُمدّد عذابات الناس وآلامهم، وتذهب تضحياتهم هدراً على وقع التنافسات.
تضطر الشعوب المُضطهدة والمظلومة والمحكومة من قبل أنظمة جائرة إلى رفع صوتها من وقتٍ الى آخر، بثوراتٍ أو بانتفاضات أو حتى بإقدامها على أعمال مُخلّة بالأمن، علّها تستطيع فرض قضيتها دولياً، لتُجبر الدول الكبرى على مقاربة مطالبها وحقوقها بإنسانية، ولكن تأتي المبادرات مخيّبة للآمال، كونها تتعاطى مع هذه المسائل، بمبدأ الواقعية وحسابات الربح الداخلية والمرحلية، وتستغلّ المشاريع التوسّعية الايديولوجية في منطقة الشرق الأوسط، الظلم اللاحق بالشعوب والنقص اللاحق بالتسويات، نتيجة هذه السياسات التي تُسمى واقعية.
تفتقد الانسانية في هذه المرحلة من تاريخها، لمشاريع انقاذية جريئة، وقياديين مستعدّين لخوض غمار الحوارات بين الحضارات، فنرى الإدارات الدولية، تدفع لتأمين التوازنات المُربحة في حساباتها السياسية النفوذيّة، وتُسقط العامل الانساني من مبادرات الهُدَن، وتُدخل مكانه العامل التنافسي، الذي قد يرفع نقاطها في احصاءات المنافسات الداخلية، فهو العامل الذي له الأفضليّة في مقارباتها، على قضايا الشعوب وحقوقها وحرّياتها.
إنّ الاستحالة للوصول إلى حلول بين الحضارات والثقافات المتعدّدة للانسانية، تأتي من عاملين أساسيين، أولهما الايديولوجيات المتطرّفة، وثانيهما استخفاف الدول الكبرى بحقوق وحرّيات الشعوب، واستعدادها للدخول في هُدنٍ على وقع المُنافسات.
(*) عضو «تكتل الجمهورية القوية»