Site icon IMLebanon

هدنة على خط عون ـ بري برعاية حزب الله

خلال الأيام القليلة الماضية، ساد «الهدوء الحَذِر» على «جبهة» رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس تكتل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون. تجنّب الرجلان «القصف الكلامي» الذي تبادلاه في الآونة الأخيرة، فلم تُرصَد مواقف من العيار «الناري» من «الأستاذ» رداً على تصعيد «الجنرال» ولجوئه إلى الشارع وتهديده الحكومة، ولا على امتناعه عن التوقيع على مرسوم فتح الدورة الاستثنائية الذي يسعى إليه بري، رغم اعتراض الأخير على «الحراك» العوني من أساسه، ولم تُرصَد في المقابل مواقف «عونية» تصوّب على بري، أو تضعه في خانةٍ واحدةٍ مع الفريق الوزاري المستأثر بالسلطة والمتحكّم بها.

أكثر من ذلك، فإنّ «الاشتباك» الأخير الذي أمكن التقاطه على خط الرابية – عين التينة يعود إلى ما قبل النزول إلى الشارع، وتحديداً عندما قال بري انّ «الجنرال» هو ابن النظام ولا يمكن أن يفرّط به، فردّ عليه عون قائلاً انّه ابن الدولة وليس ابن النظام، علمًا أنّه حرص على أن يكون ردّه «لطيفاً» ومحصوراً في السياسة، لدرجة أنّه لم يسمّ صاحب القول الذي ردّ عليه، حتى لا يُفهَم الأمر وكأنّه حلقة أخرى من مسلسل «المناوشات الدائمة» بينهما.

هي هدنة إعلامية وسياسية تمّ تثبيتها بين «الأستاذ» و«الجنرال»، تؤكد مصادر سياسية واسعة الاطلاع، مشيرة إلى أنّ لهذه الهدنة أبعادًا متعدّدة، خصوصًا بعدما أدرك الجانبان أنّ استمرارهما في السجالات التي لا تنتهي لن يكون في صالح أيّ منهما، وأنّ الاستناد إلى «التحالف الاستراتيجي» لم يعد كافياً، خصوصًا أنّ البعض في «التيار الوطني الحر» وفي «حركة أمل» لم يعد يتردّد في الفترة الأخيرة في إبداء «نقمةٍ شديدة» على «حليف الحليف» أكثر من «الخصوم»، لدرجة أنّ «استنفار» مناصري «الحركة» ضدّ حراك «التيار» يوم الخميس الماضي عبر وسائل التواصل الاجتماعي فاق بأشواط استنفار «تيار المستقبل» نفسه، على حدّ ما قال ناشطون «عونيون».

وتلفت المصادر إلى أنّ «حزب الله» هو من قاد «الوساطة» للتقريب بين حليفيه، وذلك بعدما تلمّس رغبة من الجانبين في تهدئة الأجواء المشحونة بينهما، فرئيس تكتل «التغيير والإصلاح» بات يعتبر أنّ المعركة مع بري تضرّه أكثر ممّا تنفعه في معركته الكبرى مع من يسمّيهم «سارقي الحقوق»، والتي يقول انّها بدأت ولن تنتهي حتى استعادة كامل الحقوق مهما طالت الأزمة، كما أنّه يدرك أنّه بحاجة لحلفائه في هذه المعركة الوجودية والمصيرية، ولو صرّح بغير ذلك، وفي مقدّمهم «حزب الله» الذي يدرك «التيار» أنه لا يمكن أن يفرّط بحلفه مع «شريكه الشيعي» مهما كانت الظروف، وبالتالي فإنّ «إحراجه» في هذه المرحلة قد لا يكون ملائمًا.

من هنا، فإنّ عون حرص على تثبيت «الهدنة» مع بري، كما «حلفائه المباشرين»، والذين تلاحظ المصادر أنّ «الجنرال» حرص على عدم الدخول في سجالاتٍ معهم، رغم «عتبه» على الكثيرين منهم ممّن نقلوا الاختلاف بوجهات النظر من الغرف المغلقة إلى العَلَن، مقدّمين مادّة على طبقٍ من ذهب لـ«الخصوم» ليستغلّوها ويصطادوا في الماء العكر «على راحتهم»، وهو ما تجلّى بوضوح خلال الأيام القليلة الماضية خصوصًا في أعقاب المؤتمر الصحافي الذي عقده رئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية، والذي لم ينفع قوله انّه مع عون إلى أقصى حدّ في إخفاء توسّع «التمايز» بينهما إلى درجةٍ كبيرة، كما لم ينفع حرص أوساطه لتسريب ما مفاده أنّ الحلف متين وليس بحاجة لـ«وساطاتٍ» من أحد للتقليل من تداعياته وآثاره.

في المقابل، تقول المصادر انّ بري أبدى بدوره حرصاً على «فضّ الاشتباك» مع عون، أولاً لكي لا يبدو بموقع المناهض لـ«الجنرال» ولمطالبه المُحِقّة بشكلٍ أو بآخر، وإن كان يرفض «الأسلوب» الذي يعتمده خصوصاً في هذه المرحلة الحسّاسة التي بات البلد فيها على كفّ عفريت، والتي لا يصلح معها تعطيل الحكومة وتهديدها، وهي الصامدة الوحيدة في وجه عدوى الفراغ والشلل، وثانياً لكي يترك مجالاً لـ«خط الرجعة» مع «الجنرال»، خصوصاً أنّ بري مصرٌ على تفعيل عمل المجلس النيابي من خلال فتح الدورة الاستثنائية، وبالتالي فإنّ إقفال الخطوط مع عون سيجعل الأخير يرفض أيّ «وساطة» للمشاركة في أيّ جلسةٍ تشريعية، مهما كانت بنودها، انطلاقاً من مبدأ «النكايات»، وهو ما لا يريده أحد.

عمومًا، تكشف المصادر المطلعة أنّ الاتصالات التي يقودها «حزب الله» ويرعاها قائمة من أجل الوصول إلى تفاهم بين بري وعون، على قاعدة أن يأخذ كلّ فريقٍ ما يريده، بمعنى أن يحصل رئيس المجلس النيابي على ما يريده لناحية إحياء العمل النيابي التشريعي، ويحصل رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» في المقابل على الدعم الذي ينشده في معركته الحكومية، وتشير إلى أنّ الكلام الذي صدر عن الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله في خطابه يوم الجمعة الماضي كان واضحاً على هذا الصعيد، وهو حرص على توجيه «رسائل الطمأنة» للجانبين، فمن جهة أكد تأييده لمطالب «الجنرال» المُحِقّة بالجملة وتضامنه معه في حراكه ودعمه له حتى النهاية، ومن جهة ثانية أكد دعمه لفتح دورة استثنائية للمجلس النيابي لتيسير أمور البلد بالتي هي أحسن.

وفيما تؤكد المصادر أنّ الحزب يقرّ بوجود بعض الخلافات داخل الفريق الواحد، إلا أنها تلفت إلى أنّه يحرص في مجالسه الضيقة على التأكيد على أنّ الأمور ليست بالحجم المضخَّم والمبالَغ فيه الذي يتمّ الحديث عنه، بل أنّ الوضع تحت السيطرة، لافتة إلى كلامٍ قاله رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد خلال احتفال تأبيني قبل يومين، قال فيه انّ الحزب وعون حلفاء ومع رئيس مجلس النواب نبيه بري و«حركة أمل» اخوة «ونستطيع معا تجاوز ما حصل للوصول الى معادلة ترضي جميع الجهات»، وهو ما يمكن أن يشكّل أرضيّة مناسبة للتفاهم بين الجانبين.

هكذا، يبدو أنّ «حزب الله» عالِقٌ بين كمّاشة بري وسندان عون، فهو متمسّك بحليفيه الاستراتيجيين إلى أبعد الحدود ولن يفرّط بأيّ منهما مهما كان الثمن. ولأنّه كذلك، فإنّ «إطفائيته» ستبقى دومًا جاهزة لإخماد أيّ «حريقٍ» يمكن أن ينشب بين الجانبَين، ولو على طريقة «امسحوها بذقني»، انطلاقاً من المقولة الشهيرة «في الاتحاد قوة»..