كان يمكن لفيديو «الجنوب الولعان»، بثوانيه القليلة، ان يعيد التقارب المدروس بندا بندا بين «العونيين» و«القوات» الى ما قبل الصفر، و«يولّع» النيات الطيبة بعد الخصومة الطويلة. هذا ما حدث فعلا، لكن ليس على مستوى فوق بل تحت.
النظرة السريعة إلى ما كتب على حيطان مواقع التواصل الاجتماعي اوحى لوهلة بأن الهدنة سقطت والجميع عاد الى متاريسه. لكن الحرص العوني بدا بارزا في لملمة آثار الرسالة السلبية التي أطلقتها المحطة البرتقالية بوجه معراب.. عن قصد او غير قصد.
هو مشهد الانفصام الكامل بين القواعد والرأس الذي قد يختبر مناعته، في أي لحظة، فيديو آخر أو موقف من نائب قواتي او عوني، أو ربما معركة فرعية في جزين، او عملية جديدة للمقاومة…
وكان من الصعب فصل التوتر بين المتحاورين، تحديدا على مستوى جمهورهما، عن الحماسة غير المسبوقة التي ابرزها العونيون في مواكبة عملية شبعا والتي تجاوزت بكثير يوميات حرب تموز. طوال اليومين الماضيين، كان العونيون، وليس ابناء الضاحية، من تحدّث عن «الرد الإلهي» وعن حرب «نحن لها إذا حصلت»، وعن عملية أفهمت «العدو الغاصب حدوده»، وعن اسرائيل التي لن تتجرّأ على توسيع رقعة ردّها «لأن السيّد بالمرصاد»…
تفاعلت الكيمياء سلبا، فاستنفر من كبتوا استنفارهم التزاما بأوامر عليا، من الرابية ومعراب، قضت بضبط النفس في كل مراحل التفاوض والتعالي عن الاساءات وإدارة الخدّ الايسر، بعد الصفعة على الخدّ الايمن.
اصلا لا يزال العونيون والقواتيون يتلهّون بحزورة «من الذي سيكسب من الحوار؟ ميشال عون ام سمير جعجع؟ وعلى حساب من سيكون؟». في جلسات الدردشة من دون رقابة، لا يسع القواتيين الناقمين سوى الحديث عن «جنرال» خسِر كل اوراقه ولم تبق له سوى ورقة اقناع جعجع به رئيسا. أما العونيون فتعلق في ذاكرتهم «قفشات» ستريدا جعجع التي كانت حتى أشهر خلت تصف ميشال عون بانه ليس سيّد قراره الذي تتحّكم به طهران، ليستنتجوا بأن اهل معراب صاروا من محبّذي التوصّل الى «ورقة تفاهم» مع «ايرانيي» لبنان!
لكن روما من فوق غير روما من تحت. الزوبعة في فنجان «الجنوب الولعان» لم تؤثّر في مسار التفاوض القائم. آخر أخباره طلب سمير جعجع مؤخّرا موعدا للقاء العماد ميشال عون. كان ذلك قبل صعود رئيس حزب «القوات» الى المنبر ناعيا التوافق على بند رئاسة الجمهورية، ومؤكدا استمرار الحوار حول البنود الاخرى. لكن «الجنرال» لم يحبّذ فكرة اللقاء الآن، ليس من باب الفركشة بل لان الوقت لم يحن بعد. الاجواء المعمّمة من قبل الجانبين توحي باصرار على تجاوز كل العراقيل، أو أقلّه الاتفاق على تنظيمها.
النقطة الناصعة في مشهد التلاقي الثنائي هو ان الاقرار المتبادل بعدم حصول تفاهمات بشأن رئاسة الجمهورية لم يؤد الى قطع حبل الحوار كما حاول القواتيون الايحاء بذلك.
وفق المتابعين، ميشال عون لا يزال عند العرض الذي طرحه أمام النائبة جعجع حين زارته لتسليمه ترشيح زوجها سمير جعجع. يومها توجّه اليها بالقول: «نحن او انتم لرئاسة الجمهورية. لا إمكانية لمرشح ثالث. وإذا جرى انتخابي فسيكون حزب القوات شريكا في السلطة والحكم». لكن منذ تلك اللحظة كانت جعجع نفسها تتحدّث بمنطق ان ترشيح رئيس حزب «القوات» هو ترشيح الواجب، والافضل لنا كمسيحيين ان نتفق على خيار آخر.
كل التوجّس العوني اليوم لا يزال قائما من فرضية ان يعلن سمير جعجع انسحابه من السباق الرئاسي لمصلحة المرشح التوافقي بما قد يؤدي الى إحراج ميشال عون امام الجميع.
الرابية هادئة هذه الايام وأكثر من اللازم. المقرّبون يشيرون الى دخول «الجنرال»، ومنذ أشهر، فلك الـ relax السياسي مع الجميع. مع سعد الحريري، وسمير جعجع، ونبيه بري، وجان قهوجي، وميشال سليمان، وآل المر.. ويبدو، وفق المتابعين، ان بصمات الفريق الضيق المحيط بعون قد فعلت فعلها.