IMLebanon

هُدنة حتى انقضاء الشتاء

على رغم الضربة القوية التي تلقّتها المجموعات المتطرّفة وخلاياها الإرهابية خصوصاً في طرابلس، يبقى الشعور الغالب لدى الرأي العام اللبناني، بأنّ ما حصل كان جزءاً من ضمن جولة عنف ستتكرَّر في وقتٍ ليس ببعيد.

قد يكون لهذا الشعور ما يُبرّره، خصوصاً أنّ طرابلس بالذات ما برحت تشهد جولات عنف منذ أعوام عدة، وقفَ خلفها وغذّاها عدد من مسؤولي المدينة، إضافةً إلى بعض فاعليات جبل محسن.

وعلى رغم ما قيل عن حلٍّ نهائيّ «رُحّل» يومَها رِفعَت عيد من جبل محسن، وأدّى إلى اعتقال بعض من عُرفوا بـ«قادة المحاور» وإمساك الجيش بكلّ خطوط التماس، إلّا أنّ الاضطرابات الأمنية ما لبثت أن عادت، وإن بأشكال مختلفة من خلال أسامة منصور وشادي المولوي اللذين أكّدا طاعتهما لـ«جبهة النصرة».

وما زاد من قلق المواطنين، هو تلك الشبكات التي اعتُقل أعضاؤها، والمنتشرة ما بين الضنية وعكار وطرابلس وصيدا، إضافةً إلى مخازن الأسلحة والمتفجرات التي صودِرت وكانت تحوي أسلحة متعدّدة وكثيرة وكمّيات كبيرة من المتفجرات.

والواضح أنّ كلّ ذلك كان من المستحيل أن يحصل لولا وجود جهة راعية كبيرة وطرُق «آمنة» لإيصال كلّ هذه الأعتدة والأسلحة، إضافةً إلى الاموال المطلوبة… طبعاً من دون إغفال «تواري» المولوي ومنصور، ما يعني أنّ السيناريو قابلٌ للتكرار في مستقبل غير بعيد.

وعلى رغم كلّ هذه النقاط المُحقّة، إلّا أنّ الأوساط الديبلوماسية الغربية التي تابعت عن كثب معارك طرابلس ومداهمات الشمال وصيدا، لا تجاري هذه النظرة التشاؤمية والمتحاملة.

ذلك أنّ هذه الأوساط التي كانت تُبدي تشاؤمها الشديد في المرحلة التي سبقت معارك طرابلس، تُظهر الآن نوعاً من «الرضى» على العملية التي نُفّذت وأدّت عملياً إلى ضرب البنية التحتية الفعلية لهذه المجموعات في طرابلس، ولو أنّها لا تستبعد ظهور خلايا متفرّقة مستقبلاً قادرة على «الشغب» الامني، ولكن ليس على فتح جبهات والسعي إلى إنشاء جمهورية اسلامية لإلحاقها بسوريا والعراق من ضمن المشروع الكبير.

وتُبدي هذه الأوساط تقويماً إيجابياً لعملية طرابلس، وخصوصاً لخطط «التنظيف» الأمني التي تتولّاها وحدات الجيش إضافةً إلى الأجهزة الأمنية كافة. وإذ لا تنفي هذه الأوساط مساهمة بلادها في تزويد السلطات اللبنانية ما لديها من معلومات امنية، فإنّها تبدي ما يشبه الموافقة الضمنية على أيّ مساعدة تتلقّاها الاجهزة الامنية من خلال التعاون الامني لاعتقال الشبكات الارهابية بما فيها التعاون مع «حزب الله».

بالتأكيد، لن تُخرج هذه الأوساط موقفها الى العلن، لكنّها تعتقد أنّ هذا التعاون حصل في أكثر من مناسبة، وأنّ صمت العواصم الغربية حياله نوعٌ من أنواع «الرضى».

لذلك، هناك من يخالف «الخشية» السائدة لدى الرأي العام اللبناني من تجدّد جولات العنف، وتُشَبِّه الأوساط الوضع في طرابلس بالوضع الذي كان سائداً في صيدا وانتهى مع العملية العسكرية التي اقتلعت مجموعة الشيخ الفار أحمد الأسير. إذ إنّ الخطر من ترسيخ خطوط التماس قد زال، ولو أنّ النشاط لإعادة بناء خلايا إرهابية استمرّ، لكنّ هذه الخلايا يقتصر عملها على إحداث تفجيرات، هذا إذا نجحَت، وليس هدفها السيطرة على منطقة واسعة.

لكنّ الأوساط لا تزال قلقة من جبهة البقاع الطويلة، بدءاً من عرسال مروراً بقوسايا ووصولاً إلى شبعا، وهي تدرك أنّ «جبهة النصرة» و»داعش» قادرتان على تنفيذ هجمات كبيرة بهدف النفاذ إلى الداخل اللبناني وتغيير الخريطة الجغرافية، ومنها السياسية لاحقاً.

إلّا أنّ هذه الأوساط رصدت إشارات خفَّفت بعض الشيء من قلقها. ذلك أنّ هذه المجموعات التي نفّذت «تحرّشات» عسكرية و»جسّ نبض» تجاه مواقع الجيش و»حزب الله» في عرسال وجرود بريتال وقوسايا، استنتجَت بوضوح أنّ الجيش أقام خطّ دفاع مُحكَم ومدروس على طول الحدود البقاعية، وأنّ «حزب الله» بدوره أنشأ خطوط دفاع متفرّقة ومتحرّكة في بعض الأحيان، ما يجعل من أيّ هجوم مغامرةً عسكرية مكلِفة جداً.

ورصدَت هذه الأوساط حركة ناشطة لهذه المجموعات من خلال «الحمير» و»البغال» التي تُستخدم عادةً لنقل الأسلحة الثقيلة والمَعدّات إلى أعالي الجرود، إضافةً الى التجهيزات الثقيلة. ففي السابق كانت هذه المجموعات تستخدم الدرّاجات النارية السريعة الحركة، أمّا مع استخدام الحمير، فإنّ الهدف يكون التحصين والتحضّر لمواجهة فصل الشتاء من خلال الاقتناع بالبقاء في أماكنهم.

لكن هذا لا يعني الاطمئنان كثيراً، أوّلاً لأنه من الممكن أن تكون هذه المجموعات تنفّذ «خديعة» ما بغية المباغتة بعد فترة، وثانياً لأنّ مشروعها يبقى اختراق الساحة اللبنانية وإلحاقها بالساحة السورية وفق مفهومها لجعل منطقة الشام أرضَ خلافة إسلامية.

وتدرك هذه التنظيمات البريقَ الذي يرافق صعودها العسكري داخل المجتمعات الإسلامية والعربية، وهي تراهن على أنّ نجاحها في تجاوز فصل الشتاء سيجعل المجتمعات العربية أكثر حيوية لملاقاتها، ما يعني سقوط دوَل وأنظمة في مشروعها، إذ إنّ بعض المناطق في لبنان ليس في منأى عن هذه الموجة، ما يجعل عامل الوقت يلعب لصالح هذه المجموعات، وبالتالي انتظار حلول السنة الجديدة، إلّا إذا نجح التحالف الدولي في توجيه ضربته.