IMLebanon

في ترامب.. و«المافيا»

كأن الابتذال الذي رافق حملة الرئيس الأميركي المُنتخب دونالد ترامب، لم يكن سوى أحد وجوه عالم الغرائب المسمى آلية الانتخابات الرئاسية والذي سمح في نهاية الأمر بوصول شخصية عصابية مهزوزة إلى أخطر منصب على وجه الأرض.

.. والابتذال في أعلى مراتبه! باعتبار أن ثنائية المال والإعلام التي ضربت أساساً قيم تداول السلطة وإيصال الأفضل و«الأنظف» إلى سدة المسؤولية العامة، طرأ عليها مع حملة ترامب بعد ثالث هو الأداء المنحط على كل المستويات. فاكتملت بذلك مقومات محنة سمحت بالخيال إلى الذهاب نحو مقارنة أداء الطفل المعجزة في كوريا الشمالية بأداء رئيس أميركا ذاتها!

كانت ظواهر مثل تلك التي يمثلها ترامب عوارض شبه عادية في عالم الديموقراطيات (الغربية الأصل والمنشأ) وفي آليات الوصول إلى السلطة أو المنصب العام. وكان المسرح مؤهلاً للاستيعاب ثم النبذ! لكن ما حصل ويحصل راهناً في أميركا بداية، وفي بعض نواحي أوروبا تالياً، يشير إلى أمر آخر، أخطر من الشكل والمسرحة وأعمق من اليقين بعدم ديمومة الغلط: كأن هناك سعياً منظماً(؟) للفتك بمنظومة القيم التي جعلت العالم بعد انتهاء الحرب الباردة، أكثر ائتلافاً مع الحياة وشروطها البديهية وأبرزها الحرية بكل أبعادها ثم كأن هناك من يسعى إلى إباحة الفوضى في غير موضعها بعد أن سعى إلى اعتمادها لإعادة إنتاج نظم السياسة والعيش وآليات السوق في دول العالم الثالث..

شكّل رونالد ريغان علامة على أحد مثالب صندوق الاقتراع في عالم تسيّره القوة المالية ولعبة الإعلام، لكنه (كما تبيّن) كان واجهة أكثر منه «رئيساً من الدرجة الثانية يحكم أمّة من ماضغي العلكة» على ما استنتجت إحدى المطبوعات في ألمانيا الغربية (في ثمانينيات القرن الماضي).. بحيث إن ضحالته غطّت على التزامه العقيدي البدائي المعادي للشيوعية في ذروة الحرب الباردة، وسمحت بتسييره ضمن استراتيجية تحطيم الاتحاد السوفياتي ومنظومته من دون حرب ملتهبة. وهو في كل حال، لعب دوره هنا بنجاح أكثر من ذلك الذي حققه عندما كان ممثلاً في هوليوود، وتمكن من خلال «حرب النجوم» من إكمال العقد الثلاثي إلى جانب مارغريت تاتشر في بريطانيا والكنيسة في الفاتيكان، الذي أطبق أخيراً على «العدو الشيوعي» وركّعه اقتصادياً وسياسياً من دون إطلاق رصاصة واحدة.

قصة ترامب مختلفة جذرياً. وتكاد أن تكون ذروة هجوم مضاد (وثأري) من نظام السوق وصندوق الاقتراع والعولمة. وفي ذلك محنة عصيّة على الحصر لكثرة مفارقاتها، خصوصاً لجهة الإعجاز الذي يعنيه الكلام عن «تأثير» فلاديمير بوتين الحاسم في نتيجة الانتخابات! وذهاب رئيس أميركي(!) إلى مواجهة مؤسسات السلطة الأميركية والذمّ فيها وبأركانها ومراكز القوى فيها في مقابل الإشادة بخصائل الزعيم الروسي! وتمجيد الانحطاط والابتذال نصاً وممارسة، ثم إعادة الروح إلى مفردات وتهويمات عنصرية فظّة تشبه تلك التي سبقت الحرب العالمية الثانية، وأوصلت إليها!

أحدث فصول هذه المحنة، كان الحديث بالأمس عن امتلاك الروس شرائط تظهر رئيس أميركا المنتخب في أوضاع مخزية ومعيبة.. كأننا إزاء فيلم عن «المافيا»، سوى أن هوليوود افتراضية هنا، في حين أن أخطر منصب على وجه الأرض هو موضع الابتزاز وفلاديمير بوتين هو «العرّاب»!