شكل الإعلان الأميركي، أمس الأول، عن إتفاق تطبيع للعلاقات بين الحكومتين الإماراتية والإسرائيلية، الحدث الأهم في المنطقة الذي لن يكون في مقدور لبنان تجاهله كون الأمر يتعلق بآخر تطورات الصراع العربي الإسرائيلي والقضية الفلسطينية وخاصة قضية اللاجئين الفلسطينيين، ولبنان معنيّ بهذا التطور الأخير في شكل أساسي لناحية كونه يحتضن عددا كبيرا من اللاجئين الفلسطينيين على أراضيه منذ العام 1948.
يشير البعض الى أنه من المبكر الحديث عن تأثير هذا القرار على المنطقة ناهيك عن انعكاساته على لبنان، لكن بروفسور العلوم السياسية في «الجامعة الأميركية» هلال خشان يلفت النظر الى أن الإتفاق الذي أعلن عنه ترامب لم يحمل جديدا وهو استكمال لمشروع صفقة القرن لحل الصراع والذي تعثر نتيجة المعارضة الكبيرة التي حصلت له. وهدف الإتفاق الجديد هو تشجيع الدول العربية والإسلامية لكي توقع إتفاقيات سلام مع إسرائيل ما من شأنه الضغط على الفلسطينيين للقبول بما هو مطروح عليهم. ويشير الى أن ما حدث سيلقى قبولا عربيا وحتى انخراطا من قبل البعض، برغم أنه سيلقى أيضا معارضة من دول عربية معروفة ومعها إيران.
أما لناحية ترامب، فهو يأمل من الإتفاق مساعدته في الانتخابات الرئاسية المقبلة في الثالث من تشرين الثاني المقبل، علما أن الوقت يضيق عليه ناهيك أن الناخب الأميركي لا يعير أهمية كبيرة لاتفاق كهذا ولما يحصل في الشرق الأوسط.
المنطقة الإقتصادية البحرية
لذا، فالمهم بالنسبة الى الرئيس الاميركي هو توفير الحوافز لباقي العرب للمضي بخطته للسلام في الشرق الأوسط، لكن الأمر لا يبدو فاعلاً كما يريده. إلا أنه رغم ذلك، فإنه ورئيس الوزراء الإسرائيلي بينيامين نيتانياهو يعتبران أنها الفرصة الزمنية الملائمة لفرض أمر كهذا.
وبالنسبة الى لبنان، فإنه يراقب ما يحصل بحذر، وقد استقبل وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية دافيد هيل الذي يتمثل الهدف الأكبر لمهمته في عنوان المنطقة الإقتصادية البحرية.
هذا ما يذهب إليه خشان الذي يرى أن اهتمام الأميركيين بهذه القضية هو لنزع الذرائع الحمائية من «حزب الله» عبر التوصل الى اتفاقية بحرية مع لبنان، برغم أنه يلفت الانتباه الى أن لا قدرة للأميركيين على تحقيق أهدافهم في لبنان من دون تحييد الشق العسكري للحزب، أما «متى سيحدث ذلك؟ فغير معروف». لذا فهدف الإدارات الأميركية المتعاقبة هو تدجين «حزب الله» وقبله إيران التي تزيد الضغود «القاتلة» عليها يوما بعد الآخر.
وتعلم الإدارة الاميركية تماما طبيعة علاقة فرنسا مع لبنان وهي تقر بأن باريس أكثر إدراكا لما يجري فيه. وليس اهتمام واشنطن بلبنان سوى من باب مواجهة «حزب الله» فيه وتمرير «صفقة القرن» التي يتصدى لها الحزب وأطراف أخرى بدعم إيراني.
لذا فعنوان المرحلة هو تضييق الحصار على «حزب الله» وتحييده وإجباره على القبول بهذه الصفقة، وستشهد الفترة الحالية تسريعا لخطوات ترامب في المنطقة على أمل تحقيق الخرق المطلوب «وهذا سبب زيارة هيل للبنان».
وهو ما يعني أيضا مسعى أميركي لتشكيل حكومة لبنانية محايدة يريدها برئاسة الحريري، أي بكلام آخر، منع قيام حكومة وحدة وطنية كون ذلك من شأنه إشراك الحزب فيها. وإذا تحقق مراد واشنطن، حسب خشان، سيكون ذلك فاتحة تدفق مساعدات للبنان ومنها تلك التي سيتولاها صندوق النقد الدولي. كما ستمضي إدارة ترامب في موازاة ذلك، في فرض العقوبات على الحزب وحلفائه ومنهم حركة «أمل» و»التيار الوطني الحر».
التوطين قائم
أما على صعيد قضية اللاجئين المزمنة، وهم الذين يعيشون في وضع صعب ومجحف إذا ما قارناه بأوضاعهم في البلاد العربية، فكيف إذا زدنا على ذلك تأثر اللاجىء الفلسطيني بالأزمة الاقتصادية الكارثية في لبنان التي تزامنت مع تخفيض مؤثر في مساعدات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا»؟
يعتبر خشان أن الفلسطينيين موجودون في لبنان منذ العام 1948، وهذا يشكل أمرا واقعا. ويشير الى أن المسار القائم ليس وليد اليوم، ويعود الى فترات زمنية بعيدة منذ لقاء الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ورئيس الحكومة الاسرائيلي الأسبق إسحاق رابين في البيت الأبيض العام 1993. وما جاء بعدها وصولاً الى اليوم هو نتاج مسار واحد.
ولأسف هذه القضية أنها باتت على ما يبدو قضية توطين مُقنع للفلسطينيين في أماكن تواجدهم ومنها لبنان. وبالنسبة الى أستاذ العلوم السياسية فإن «هذا البلد سيكون أقل تأثرا من الفلسطينيين من الاتفاق الأخير، كون اللاجئين يعيشون أصلاً في وضع صعب في المخيمات، علما أن لبنان يستقبل أيضا مليونا ونصف مليون لاجىء سوري على أراضيه».
علماً أنه إذا كان لبنان معنياً بتفادي الأسوأ، فقد بات عليه التخلي عن المقاربة الأمنية للموضوع الفلسطيني، وإيلاء اللاجئين حقوقهم الإقتصادية والإجتماعية، لا بل حقوقهم الإنسانية، ذلك أنه بتجاهله تلك الحقوق سيساهم في تفجير غير مسبوق لقنبلة اللاجئين.