Site icon IMLebanon

ترامب في قبضة كورونا وحملته الانتخابية على المحكّ

 

“لا أرتدي كمامة كما يفعل. أنظروا إليه تكاد لا تراه يوماً من دونها. قد يكون على بعد أميال عنك ومع ذلك تراه مرتدياً أكبر كمامة تراها في حياتك!”، علّق رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب بتهكمٍ أصاب منافسه الى سدة البيت الابيض الديموقراطي جو بايدن مستخدماً يديه بإفراط وكأنه يوجّه بهما سهام اتهامٍ قاتل. كان ذلك خلال المناظرة الأولى التي جمعت الرجلين قبل بضعة أيام. زوجته ميلانيا كانت بين الجمهور مصفقةً لزوجها بحرارة. هي بدورها لم تكن ترتدي كمامة رغم اصابة مستشارة زوجها هوب هيكس بكوفيد- 19 قبل أسبوع.

 

وبعد يومين تماماً ليس إلا كتب ملك التغريدات مخاطباً مواطنيه: “تأكدت من إصابتي والسيدة الأولى بكورونا وسنبدأ الحجر الصحي فوراً وسنتجاوز المحنة معاً!”. تطوّر غير مرتقب وقع كالصاعقة على الأميركيين الذين يعانون أساساً من تداعيات فيروس يفتك بالآلاف منهم يومياً ملقياً بثقله على الاقتصاد وخزينة الدولة.

 

من سخرية القدر أن يتعرّض رئيسهم لمخالب داءٍ ما برح يسخر منه عند كل انعطافة، ففي حين كان قادة العالم يحذرون من جدية “الوحش الغازي”، مشجعين على إجراء الفحوص وداعمين الجهود والابحاث الطبية بجديةٍ مطلقة، دأب سيّد البيت الأبيض على التخفيف من شأن الوباء واصفاً إياه بمجرّد “انفلونزا بسيطة” لا تستدعي الهلع، ساخراً حتى من طاقمه الصحي في البيت الابيض ومروجاً لعلاج “الهيدروكسي كلوروكين” رغم إلغاء الوكالة الأميركية للأغذية والعقاقير (إف دي إيه) الترخيص. ولم يكتف ترامب بذلك بل ذهب الى حد ممارسة ضغوط كبيرة على حكام الولايات المختلفة لرفع القيود عن المدن وإعادة فتح المطاعم والمدارس مطلقاً سلسلة آراء مبرمة حول مدى “تفاهة” الجائحة حتى اكتسب صفة “أكبر ناقل للأخبار المضللة عن الفيروس” وفق دراسة لجامعة كورنيل. ومن منا لا يذكر دعوته لشرب “مادة المبيّض” لمعالجة الداء، دعوة برّرها خلال المناظرة بأنّها كانت “مجرّد نكتة”، ولو أنّها تسبّبت بتسمّم مئات الاشخاص الذين اتبعوا نصيحته.

 

ورغم محاولة ترامب التخفيف من وطأة نبأ إصابته معلناً أن “أعراضه بسيطة ومعنوياته مرتفعة” وأنّه “يواظب على ممارسة نشاطاته هاتفياً”، يبقى أن الاوساط السياسية والاعلامية المناهضة للطامح الى تمديد ولايته تلقفت المناسبة لإظهار الأخير كمبدّد للثقة العامة باستهتاره وتعريض حياة الآخرين للخطر لعدم عزله نفسه بعد علمه بإصابة مستشارته المقربة بالوباء، وباستخفافه الدائم بمسألة الكمامة في جولاته الانتخابية التي تظهر بوضوح عدداً كبيراً من ناخبيه غير متقيدين بارتدائها، وبتعنته في رفض التوعية حول مخاطر داءٍ أودى حتى الآن بحياة أكثر من 207 آلاف شخص في الولايات المتحدة مع 7,2 ملايين إصابة، ما يرفع بلده الى مرتبة أكثر البلدان تضرراً في العالم. وحصد الرئيس بسبب سلوكه هذا انتقادات شديدة من خصومه والعلماء وبعض أعضاء الكونغرس الجمهوريين. وصبّ كلام جو بايدن بعد إعلان الاصابة بهذا الاتجاه حين قال مؤكداً: “آمل أن تذكرنا هذه الحادثة بأهمية ارتداء الكمامة، وغسل اليدين، واحترام قواعد التباعد الاجتماعي”.

 

ومع إصابة الرئيس بكورونا، انتشرت معلومات مؤكدة بتوسّع دائرة الاصابات لتطاول صحافية في البيت الأبيض وأحد أفراد طاقم الموظفين، ما يوحي بتفشٍ أكيد للوباء في الاوساط الرئاسية. وبدا مستقبل حملة الرئيس الانتخابية ضبابياً مع اضطراره الى إلغاء رحلته إلى فلوريدا لحضور تجمع انتخابي، بالاضافة الى إلغاء اجتماعين في “ويسكنسن”، وهي إحدى الولايات الحاسمة في الانتخابات، وبات مصير المناظرتين المقررتين في 15 و22 تشرين الأول معلقاً بين احتمالين يتأرجحان بين الالغاء أو اللجوء الى تقنية “الافتراضي”.

 

ويعدّ ترامب في دائرة الخطر صحياً، كونه ضمن الشريحة العمرية الأكثر عرضةً للاستشفاء او الوفاة في حال الاصابة بكوفيد- 19، فالرجل في الرابعة والسبعين ويعتبر بديناً ما يعني احتمال مواجهة البلاد تخبطاً في الحكم في حال عجزه عن ممارسة مهامه، علماً أنه بوسعه دستورياً واستناداً الى التعديل الخامس والعشرين أن يتخلى موقتاً عن سلطاته لنائبه مايك بنس. وتمت المصادقة على هذا التعديل في العام 1967 عقب اغتيال الرئيس جون كينيدي، وهو يفصّل في أربع فقرات تدابير نقل السلطات التنفيذية في حالة الاستقالة أو الوفاة أو العزل أو العجز الموقت لساكن البيت الأبيض.

 

وأحدث الخبر – الصاعقة اقتصادياً بلبلةً في الأسواق المالية الأميركية والعالمية فسجّلت الأسهم الأميركية تراجعاً لافتاً وسط أجواء اقتصادية غير مبشرّة.

 

وينضمّ ترامب الى لائحة القادة الدوليين الذين استخفوا بالوباء ليعودوا ويصابوا به على غرار رئيس البرازيل جايير بولسونارو ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الذي سارع لتمني “الشفاء التام والعاجل” لترامب، فيما أرسل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رسالة شخصية مؤكداً ثقته بأنّ “حيوية” الرئيس الأميركي ستساعده في محاربة الفيروس.