Site icon IMLebanon

ترامب يترك البيت الأبيض من الباب الأسود

 

 

وسط ذهول الاميركيين وصدمة قادة العالم ، نفذ الرئيس الاميركي المنتهية ولايته دونالد ترمب عملا صبيانيا، وصف بانه اكثر من تمرد واقل من انقلاب، حين أطلق مجموعات من انصاره المتحمسين لاقتحام مبنى الكابيتول، كاتدرائية الديموقراطية الاميركية العريقة، من أجل هدف مستحيل هو إبطال نتائج تصويت الشعب الاميركي الحر. ولم يأبه لنتائج هذا الزحف وما سببه من اهراق دماء بريئة، وما كان يمكن ان يؤدي اليه من حرب اهلية، وليس أقل.

 

المحاولة فشلت وجرى اجهاضها بسرعة قياسية اذ خلال ساعات قليلة تم تحرير المبنى من مجموعة من محتليه الغوغائيين، ليعود الكونغرس بمجلسيه للتصديق على نتائج تصويت المجمع الانتخابي، لتستمر مسيرة الديموقراطية بسلاسة ويسر، رغم انف ترامب، الذي تصرف مرة أخرى، بطريقة الملياردير صاحب الامبراطورية الذي لا يجرؤ احد على معارضته، فسقطت سريعا أوهامه وتأكد ان المواطنين الاميركيين، ورجالات الحزبين الجمهوري والديموقراطي، والقيادات العسكرية والامنية، ورجال الاعمال، والشركات، ووسائل الاعلام، كلهم احرار في خياراتهم، ويدينون بالولاء لسيد واحد هو الشعب الاميركي، وليسوا موظفين او خدما عند الامبراطور المزعوم.

 

ثمة دروس من ليلة جنون ترامب، ينبغي تدريسها في اي دولة ديموقراطية، اذا ارادت الحفاظ على سلمها واستقرارها وتقدمها، واول هذه الدروس اهمية وجود رجالات دولة على قدر المسؤولية، لا يخضعون للتهويل، ولا ينجرفون خلف الاغراءات، على مثال نائب الرئيس مايك بنس الذي اشرف بصفته رئيسا لمجلس الشيوخ، على التصديق على نتائج انتخابات كان هو احد الخاسرين فيها، ولم يعر انتباها لدعوات ترامب وتجريحاته، عندما وصفه بالجبان، فظهرت حقيقة معدنه بأنه رجل دستور وقانون، ولما رفض الرئيس نشر الحرس الوطني في واشنطن لضبط الوضع ولإكمال العملية الديموقراطية، وقع نائبه الامر.. وهكذا ظهر على العكس جبن ترا____مب بالتلطي خلف الآخرين ليخوضوا معركته اليائسة.

 

الاحزاب الاميركية، لاسيما الحزبان الجمهوري والديموقراطي، برهنت انها احزاب ديموقراطية، واحزاب في خدمة الديموقراطية، فمن جهة ادارت الخلافات، داخلها، وفي ما بينها بطريقة حضارية، ورغم التهديد الامني في ليلة العنف الترامبي، عاد مجلسا الشيوخ والنواب، وكل منهما يهيمن عليه حزب من الحزبين، للاجتماع والنقاش الحضاري، في الاعتراضات المقدمة على نتائج تصويت بعض الولايات. وكانت النتيجة احقاق الحق، والحفاظ على الحزبين معا.

 

أما المؤسسة العسكرية والامنية الاميركية فلم تخرج عن قواعدها وسلوكياتها، فهي صارمة وحاسمة في الخارج مع الاعداء والخصوم والمنافسين، وكذلك في الداخل مع اعداء الديموقراطية والارهابيين والغوغائيين والمتطرفين، وهدفها المقدس هو الديموقراطية، كنمط عيش، وكنموذج للتعميم في كل مكان من انحاء المعمورة. فرفضت الانجرار الى اغراءات الانقلاب العسكري، لعلمها انه مقتل الولايات المتحدة كدولة وأمة.

 

الشركات الاميركية ورجال الاعمال، وقفوا صفا واحدا في مواجهة الانقلاب الذي كاد يهدد التفوق الاميركي عالميا، والذي لطالما هدده ترامب بحروبه التجارية غير المسؤولة، والتي جعلته يحارب الحلفاء كما الاعداء، والاصدقاء كما الخصوم، ولا يميز في سياساته الهوجاء بين المكاسب الآنية وبين الثوابت الاستراتيجية التجارية ، اقتصاديا وماليا.

 

أما وسائل الاعلام ووسائط التواصل الاجتماعي فكان من البديهي ان تصطف كلها ضد ترامب وهو الذي عاداها منذ اليوم الاول لتوليه الرئاسة، وحاربها طوال فترة ولايته، غافلا عن واقع ان الاعلام من موقعه المستقل في بلاد ديمقراطية هو الذي يصنع الرؤساء والقادة والحكومات، لان الاعلام هو صانع الرأي العام، اي القوة الضاربة في صناديق الاقتراع.

 

لقد عرض ترامب نفسه لمهانة بلغت مستوى جعلت وسائل التواصل الاجتماعي تحجب حساباته وصفحاته بعدما قاطعته معظم وسائل الاعلام المرموقة.

 

الانتصار الكبير هو انتصار الديموقراطية الاميركية، والشعب الذي عبر عن رأيه بحرية. ولا ينفع ترامب ان يقول بانه نال ٧٥ مليون صوت، لان خصمه نال اكثر منه، اي ٨٠ مليون صوت، وقد فاز جو بايدن بالتصويت الشعبي وبتصويت المجمع الانتخابي معا، وكان الاجدى بترامب ان يقتدي بهيلاري كلينتون التي فازت قبل اربع سنوات بالتصويت الشعبي وتفوقت عليه، ولكنها خسرت في تصويت كبار الناخبين (الولايات)، فسارعت الى تهنئته والاعتراف بهزيمتها.

 

دونالد ترامب لم ولن يعترف بنتائج الانتخابات، وسيظل يزعم انها مزورة، ولكن احدا لن يلتفت لهلوساته، لا في الداخل الاميركي ولا في العالم الرحب. وآخر اقواله ان انتقال السلطة سيتم بشكل منظم في العشرين من الشهر الجاري، اي انه سيخرج على قدميه من البيت الابيض، لانه يخشى ان يتم اخراجه مخفورا..

 

لعله تعلم من تجربته، وآخر ايامها السود، لقد دخل البيت الابيض والتاريخ من بابه العريض ولكنه سيخرج من أضيق أبوابه.