ها هو الرئيس الذي اعتلى سدة الرئاسة في الولايات المتحدة، فكان فوزه غير المتوقع، عن طريق الخطأ الجسيم الذي يشبه الخطيئة، ها هو يبدأ إطلالته كرئيس، للقوة الأعظم في هذا العالم المتهالك على نفسه وعلى مشاكله وعلى تحدياته الأمنية والإقتصادية والمعيشية، فيتوجه بكل عظمة بلاده وكل تعاظمه واستكباره الشخصي، مخاصما ومعاديا معظم دول وشعوب العالم، وهو قد صبّ جام عداوته على شعبه أولا، حيث قسمته التوجهات الترامبية، خاصة منها تلك الحافلة بالتوجهات العنصرية المعادية للإسلام وللعالم العربي، إلى فئتين متناقضتين متناهضتين تتواجهان وتتبادلان النقد العنيف والتظاهرات الرافضة واستقالات المسؤولين الجماعية من وزارة الخارجية وسلسلة من الدعاوى الطاعنة بقرار ترامب المعادي للإسلام أقيمت من قبل ثمانية عشر مدعٍ عام، ويكاد حزباهما أن يكللهما الاندفاع المشترك في رفض هذه السياسة الأميركية العازلة لنفسها والمنعزلة عن العالم، والطامحة إلى مزيد من الغلبة والجموح والتعامل مع الداخل والخارج بفوقية غير مسبوقة، تملي على البشرية جمعاء كيف يجب أن تكون خاضعة لهذه الإرادة الأميركية المستجدة والتي لم تعد تعرف أن تقف عند حدودها. وترامب منذ أن أطل على السياسة وهو يشاكس ويعاكس معظم جيرانه وفي طليعتهم المكسيك ومهاجريها، مطالبا بإقامة جدار عازل معها ومع شعبها، بل هو يريد أن يلزم هذا البلد متواضع الإمكانات بتحمل كلفة هذا الجدار، لأن الولايات المتحدة باتت ترغب في تحميل الشعوب القريبة والبعيدة، الحليفة والمنزوية كل أنواع المصاريف التي أخذتها الولايات المتحدة على عاتقها منذ أن أطلت على العالم زعيمة على الدول العظمى، وقائدة للأحلاف العسكرية والإقتصادية والأمنية التي لملمت قياداتها ودفعت بها إلى صفوف الدفاع الأولى، لتكون المتلقية الأولى لكل الضربات الساخنة، مختلفة الأنواع والأحجام، ولتنجو بنفسها من آثارها المباشرة وغير المباشرة.
ألم يصبّ ترامب جام غضبه على الأمة الإسلامية بأسرها متذرعا بأنه يقصد بهذا الغضب «إرهاب العالم الإسلامي» المتمثل بداعش، مستمرّاً في اعتماد الأكذوبة الأميركية الاستخباراتية لجهة الزعم بأن داعش ومستتبعاتها هي صنيعة التطرّف العقائدي الإسلامي بينما تعود بنا الوثائق بعيدا في الزمان حيث تحدثت منذ عقود عن فضائل «الفوضى الخلّاقة» وآثارها الإيجابية على مصالح العالم الغربي عموما والولايات المتحدة خصوصا، وعلى إسرائيل بالأخص، وهي سريعا ما نثرتها، بخبث وفعالية في إطارات العالمين العربي والإسرائيلي، وبتخطيط من قيادات الكيان الصهيوني الذي يجني اليوم من أحداث هذه المنطقة، خيرات كثيرة ألغى بها أي وجود فاعل للعالم العربي، الذي يستعدّ اليوم لجملة من القفزات والقضمات التي تجعل من قضيته الأولى منسية، ومطويّة في دهاليز المؤامرات.
ألم يَصُبّ ترامب جام غضبه على أوروبا، وطليعتيها ألمانيا وفرنسا محمّلا إياهما مسؤولية «الفوضى» التي تسودهما وتسود أوروبا، جالبة إليها أرتالا وملايين من المهجرين في العالمين العربي والإسلامي، ولئن كان رئيس جمهورية فرنسا الحالي ما زال الأشرس والأعنف في مواجهة العنصرية المستجدة والجموح الأميركي المتفلت على «حلّ شعر» ترامب، فإن المواقف الألمانية، الخارجة من براثن العنصرية الهتلرية بدروس وعبر خلّصتها من أدران التقوقع ودفعتها إلى التعويض عن الممارسات الفاشسية والنازية التي أطلقها هتلر في زمان تأججه العنصري، بتصرف مخالف ومناقض فيه صدق ومصالحة مع شعوب تعاني وتتعذب بتصرفات دكتاتوريات هذه المنطقة التي ما زالت حتى هذا التاريخ، تستوحي تصرفاتها وعصارة ايديولوجياتها من استنادها إلى القواعد الدكتاتورية التي ألهمها بها ملهمها الأول، هتلر، حيث ما زالت ذكريات حروبه العالمية الطاحنة تشغل الأذهان، وتحاول كل الشعوب المتحضرة أن تلغيها من ذاكرتها بأقصى المحاولات والإجتهادات الإنسانية والحضارية والقانونية والقضائية، وها هي ممثلة ذلك الشعب الذي سبق أن ابتلي بزعيم زعماء النازية، تعبر عن رفضها لنهج ترامب، واستعدادها لأن تسجل اسمها ضمن القوائم المنتمية إلى أرتال المسلمين في الولايات المتحدة وخارجها، وربما هي تؤكد بذلك على ما سبق لقداسة البابا أن صرح به قبل أسبوعين لجهة تخوفه من بروز هتلر جديد في هذا الكون الذي بات عابقا بالتحديات والمخاطر العنصرية.
ولئن كان ترامب قد صبّ جام غضبه على كل من ذُكر، فهو حاليا يستكمل استعداداته للوفاء بكامل عهوده ووعوده وقناعاته عميقة الطابع والجذور تجاه إسرائيل، وها هو يستكمل خطواته تجاهها بكثير من الجدية والتصميم لنقل سفارة بلاده إلى القدس، ويعبيء الأجواء لتكريس النهج الإستيطاني الإسرائيلي في ما تبقى من أرض فلسطين السليبة، وها هو «يكبّر فشخاته» باتجاه كل ما يؤدي إلى طمس القضية الفلسطينية بكل أصولها وفصولها وتاريخها، وفي الوقت الذي حققت فيه تلك القضية كثيرا من المكاسب على المدى الدولي والإعترافات العالمية بدولتها إذ «بشمشون الجبار» حديث البروز، بشَعْرِه الكثيف وطلّته «البهيّة» يقول للفلسطينيين: أياكم والحلم بتلك الدولة التي يرفضها اليمين الإسرائيلي، وعليكم بالتمرّن الرياضي على خطوات التراجع إلى الوراء بلا دولة، وبلا حلم، وبلا حياة كريمة. وبعد ذلك كله يستغرب ترامب كيف أن «الإرهاب» قد بات واقعا تخشاه الولايات المتحدة وتتحسب أخطاره!، أوليست مثل هذه السياسات، قديمها والحديث، هي التي دفعت بالأوضاع إلى هذه الهوّة المرعبة؟ ووسط ردود الفعل الغاضبة والرافضة لفعْلَة ترامب العنصرية في داخل الولايات المتحدة وعلى صعيد العالم بأسره بامتداداته الإسلامية والمسيحية. ختاما، نستعيد ما صرّح به قداسة البابا: حذار من نشأة هتلر جديد.