Site icon IMLebanon

رحّبوا بترامب في مِحور الممانعة!

 

الإمتحان العسير الذي خضعت له الديمقراطية الأميركية من خلال إقتحام مجموعة من المشاغبين مبنى “الكابيتول” الشهير، وهو المقرّ المركزي للعملية التشريعية والدستورية الأميركية، ذكّر بما يجري في دول العالم الثالث ومنطقة الشرق الأوسط التي تشهد أعمق تحوّلات تاريخية غير مسبوقة، وأعطى دلالات مقلقة أنّه حتّى في الأنظمة الديمقراطية يمكن أن يتمّ تجاوز القانون والركون إلى الأساليب الميليشيوية لتقويض مؤسّسات الدولة ومساراتها.

 

ولكنّ الفارق أنّ هناك من أكّد مناعة النظام المؤسساتي الذي يمكن من خلاله إعادة الأمور إلى نصابها، والحيلولة دون هدم أعمدة الهيكل على رؤوس الجميع: الدولة والشعب والمؤسسات. لم تعد الخطوات التراجعية التي أعلنها ويعلنها الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب تنفع لدفع الإتهامات التي تُساق في حقّه، وهي إتهامات محقّة تثبتها الفيديوات والصور والتصريحات التي أدلى بها أثناء الإقتحام، والتي أكّدت أنّ الهجوم كان منظّماً تحت إشرافه وبموافقته ورعايته، وأنّه كان يعوّل عليه لإحداث تحوّل في مسار تسليم السلطة إلى خلفه المنتخب شرعياً جو بايدن.

 

وبالرغم من أنّ الأيام المتبقّية من ولاية ترامب لا تتجاوز الأسبوع الواحد، إلا أنّها تشكل خطراً كبيراً لمن يقبض على الزرّ النووي والأسرار العسكرية لأقوى دولة في العالم، ما قد يجعل قيامه بخطوات إنتقامية داخل أو خارج الولايات المتّحدة أمراً ممكناً، لا سيّما بالنظر إلى سجّله الحافل في ولايته الرئاسية، التي تميّزت بكلّ أنواع القرارات غير التقليدية التي لا تتلاءم مع طريقة عمل المؤسسة السياسية الأميركية وقواعدها وثوابتها في السياستين الخارجية والمحلية.

 

إنّ الخطوات المتلاحقة التي تقوم بها رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي تؤكّد أنّ الأولوية لحكم القانون، وأنّ خرق الدستور لا يمكن أن يمرّ مرور الكرام ومن دون محاسبة أو مساءلة حتى ولو كان يُمارس من قبل رأس الهرم السياسي، أيّ رئيس الولايات المتحدة وهو الرئيس الأقوى حول العالم. وثمّة قناعة عامة في الولايات المتّحدة، حتى في صفوف الحزب الجمهوري الذي ينتمي إليه الرئيس، أنّ ما جرى يتناقض مع القوانين والأعراف والتقاليد الأميركية، وأنّ التساهل بتمريره من شأنه أن يؤسّس لسوابق يمكن تكرارها بعد أيّ إستحقاق رئاسي أو في أيّ منعطف هامّ.

 

لقد غادر ترامب كلّ المرتكزات الدستورية والسياسية والمؤسساتية، وضرب بعرض الحائط الأسس الجوهرية للنظام الديمقراطي، وما إعلانه عدم مشاركته في حفل تنصيب الرئيس المنتخب في العشرين من كانون الثاني إلا دليل إضافي على قلّة ثقافته الدستورية وعدم إكتراثه لمبدأ أساسي في الأنظمة الدستورية، وهو تداول السلطة الذي يُعتبر حجر الزاوية في التطوّر المؤسساتي والديمقراطي.

 

المهمّ أنّ المشهد الأميركي كان مفتوحاً على كل الإحتمالات، وترامب إعتمد أساليب مِحور الممانعة لمحاولة إحداث التغيير بالقوّة من خارج المؤسسات، وسعى إلى إحداث تعديل في موازين القوى لتحويلها إلى صالحه، ولم يتوانَ عن إستخدام السلاح (الذي ينتشر بكثافة في الولايات المتّحدة) للقيام بما يريد.

 

كما يشابه هذا الأداء والسلوك تلك الأجنحة المتعدّدة التي تصول وتجول في البلدان العربية، تتجاوز سلطاتها الشرعية، وتقوّض مرتكزاتها، وتقتحم جدرانها، تارة من خلال تطويقها، وتارة أخرى عبر رمي الصواريخ عليها أو إقتحامها والإنقضاض عليها. إنها تلك الأجنحة المتفلّتة من أيّ قيود سياسية أو عسكرية أو حتّى أخلاقية في بعض المنعطفات بحيث تكرّس مصالحها الفئوية على حساب مصالح الأوطان والدول التي تنتمي إليها!

 

رحّبوا بترامب في مِحور الممانعة!