IMLebanon

زمن الرداءة والرِدّة

 

 

لعلّ جيلنا  هو الأكثر قهراً ومرارةً وخيبة إزاء صفقة القرن التي أعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب من على منبر البيت الأبيض في حضور واحد من الطرفين المعنيين بها قبل سواهما.

 

لماذا؟

 

لأننا نشأنا، منذ أيام الدراسة حتى الجامعة، ومن ثمّ في مجالات وظروف حياتنا، في فورة الشباب … نشأنا على أن فلسطين هي القضية، وهي القبلة، وهي التي يرخص من أجلها  كل غالٍ ونفيس. وبالرغم من تسجيلنا المآخذ التي لا تحصى على الكثير من التجاوزات والأخطاء وحتى الخطايا من قِبَل  قيادات عديدة، لم نضيّع البوصلة، ولن نضيّعها.

 

وفي تلك المراحل والحِقَب كانت الآمال كبيرة، والنضال لم يكن مجرّد هواية، إنما كان اقتناعاً قدر  ما كان واجباً. ولقد حملنا هذه القضية المقدّسة في حلنا وترحالنا… وليؤذن لي أن أُشير  الى واحد من تلك المواقف يوم كنتُ رئيساً لرابطة وكالات الأنباء في دول حوض البحر الأبيض المتوسط، وفي اجتماعنا الدوري (وكان في قرطبة – إسبانيا) كان زملاؤنا  الأعضاء الأوروبيون في الرابطة قد اتخذوا قراراً، في ما بينهم، بضم وكالة الكيان الصهيوني الى الرابطة… ويذكر الكثيرون كيف وقفت متحدثاً طوال ساعتين معارضاً هكذا قراراً بشراسة، مهدّداً بالاستقالة وانسحاب لبنان من الرابطة، واستطعت أن أسحب البند من جدول الأعمال…

 

وأمّا المفاجأة فكانت أن دولاً عربية من الأعضاء (ولن أذكر أسماء تلك الدول الخمس) كانت «ضالعة» في دعم القرار الذي أسقطتهُ.

 

أعتذر عن ذكر دوري في ذلك الموقف، إنما أوردته للتدليل  على اقتناعنا الراسخ الذي هو عقلاني ووجداني في آنٍ معاً… وأيضاً لأقول إنّ اطرافاً عربية عديدة كانت، وما زالت، متخاذلة…

 

وعليه فإن ما أعلنه، أول من أمس، دونالد ترامب ليس ابن ساعته، إنما هو محصّلة تلقائية لتراكم التخاذل العربي… ويمكن الحديث بإسهاب عن هذا التخاذل منذ احتلال الصهاينة فلسطين… وهذا ما لا تتسع له هذه العجالة… فقط أشير الى ردة الفعل العربية (الأكثر من متخاذلة) لدى قرار ترامب (هذا الفالت من كل عقال) قراره نقل سفارة الولايات المتحدة الأميركية الى القدس. وهو قرار قال به معظم الرؤساء الأميركيين خلال حملاتهم الانتخابية، إلاّ أنّ اياً منهم لم يجرؤ على تنفيذه. ثم ردة الفعل العربية  المحدودة جداً على قرار ضم إسرائيل الجولان!

 

وما لم تقم للعرب قائمة (وهي لن تقوم مع أنظمة مهزومة في طبيعة تكوينها، ومتواطئة…) فالسلام على فلسطين الى أن يتغيّر الزمن العربي الرديء… الزمن الذي درجتُ على أن أطلق عليه توصيف «زمن الرداءة والردة».

 

ولكن.. مهما طال الزمن فإن الصهاينة محكومون بالجلاء من أرض فلسطين المقدسة!