Site icon IMLebanon

المقيت ترامب

 

مقيت هو الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ليس فقط، لأنه وضع إسرائيل في حضنه وقدم لها المنّ والسلوى على أساس أنها تحتكرها تاريخياً، لكن لأنه وضع الشعوب العربية، من المحيط الى الخليج تحت رحمة طغاة وتجار دم يتبادلون الخدمات مع الشياطين، الكبار منهم والصغار، ليقمعوا هذه الشعوب بعد إهدائهم ذريعة مواجهة “صفقة القرن”.

 

ومجرم هو، ليس فقط، لأنه تعامل مع الفلسطينيين خصوصاً، والعرب عموماً، على أنهم لا يستحقون الأرض التي يدوسون عليها، وأن الكيان الصهيوني هو الأحقّ بها منهم، كونه واحة الديموقراطية الأوحد في هذا الإقليم، ولكن لأنه، وهو يخدم إسرائيل، حوَّل الشعوب العربية، من المحيط الى الخليج، الى خونة إذا طالبوا برغيف الخبز.

 

فظيع هذا العراب لاتفاق يسمح للإسرائيلين بأن يشطبوا حق العودة لفلسطينيي الشتات متذرعين بأن الدول العربية هجَّرت اليهود وطردتهم تباعاً بعد نكسة 1948. ووازرة وزر أخرى. وكأنهم لم يتآمروا مع أنظمة هذه الدول لتسهيل هذا التهجير ونقل اليهود الى أرض الميعاد مع مغريات بعيش كريم، في حين حُرم الفلسطينيون في المخيمات من أي حقوق إنسانية ليتطرفوا وينحرفوا تحت وطأة ظلم الصهاينة من جهة وظلم ذوي القربى من جهة ثانية، وتحت وطأة عنصرية يفوق منسوبها كل نازية وتطرف القرن الواحد والعشرين.

 

مقيت هذا المتبجح لأنه يسهل تكريس مبدأ المقاومة للمقاومة، وليس استرداد الأرض السليبة. فمن كان يتشدق صبحاً وعشية بأنه قادر على إبادة إسرائيل، وصلت اللقمة الى فمه، ليس لتنفيذ تهديده ووعيده، ولكن لمزيد من التخريب والتدمير في كل مكان يحيط بإسرائيل التي يجب أن تبقى، وبعدوانيتها وأطماعها وعنصريتها، حتى يبقى يتاجر بنا لمصلحة مشروعه الإقليمي.

 

وفي الحقيقة، لا تزال فلسطين محتلة، ولا تزال إسرائيل تقضم ما تريد من أراضٍ عربية، سواء في مزارع شبعا لتحولها الى مراكز تزلج خمس نجوم، او الجولان أو غور الأردن… و”الخير لقدام”، في حين يموت الإنسان العربي مئة مليون ميتة في الثانية.

 

في المقابل، سيسخر هذا المتعالي كثيراً من تظاهرات المحتجين ومن حرق صوره وصور نتنياهو، لأن هذه هي المواجهة الوحيدة المتاحة لهم. ولن يهتم ما دام كل ما يرسم له الصهاينة يصلون إليه، وما دام كل رفض لمشاريعهم الجائرة يبعد الفلسطينيين أكثر فأكثر عن حواكيرهم وبيوتهم وليمونهم، في غياب أي خطط تتيح فرض العدالة لإنعدام الرغبة الفعلية والعقل الممنهج لتجار القضية الأزليين والطارئين.

 

فموجبات مواجهة “صفقة القرن”، تبرر لهؤلاء إعلان التعبئة العامة والسيطرة على ما تبقى من موارد، لينهبوها بحجة المجهود الحربي لمواجهة إسرائيل وتحرير فلسطين المحتلة.

 

كأنه كان ينقصنا إبداع المقيت ترامب في “صفقة القرن” هذه، ليخدم أصحاب المشروع حتى يبقوا على كراسيهم وعلى فسادهم وعلى طغيانهم ويسهل لهم دفن مطالب الشعوب العربية التي سيتم تخوينها اذا لم ترفع شعار “الموت ولا العار”.

 

وعلى أي حال، لا يرى الطغاة الذين يخدمهم ترامب خدمة مباشرة، أي ضير في موت هذه الشعوب، فيرتاحوا ويريّحوا.