IMLebanon

أميركا ترامب والعالم:  أبعد من العنصرية

أميركا ليست مكبّلة بالتاريخ وأثقاله مثل روسيا والصين وأوروبا وتركيا وايران والعالم العربي. وهذا ما جعلها تصنع المستقبل من دون التفات الى الماضي. لكن الرئيس دونالد ترامب يحاول اطفاء الشعلة في يد تمثال الحرية قبالة نيويورك وشطب الفصل المضيء في تاريخ أميركا القصير. فهي أمة مهاجرين من كل جهات الأرض. وهو حفيد فريديريك ترامب الذي وصل الى العالم الجديد من المانيا مفلسا ضمن مجموعة مهاجرين عام ١٨٨٥. وقمة المفارقات ان يسارع الحفيد الذي جمع ثروة بعد جدّه ووالده ثم أصبح رئيسا للولايات المتحدة الى اصدار أمر تنفيذي يوقف الهجرة ويمنع على مواطني سبع دول شرق أوسطية دخول بلاده. والحجة هي حماية الأمن القومي من الارهاب، وتنفيذ وعد في الحملة الانتخابية.

واللافت ان ترامب بدا سعيدا بالهزّة التي أحدثها في أميركا والعالم. فلا ردود الفعل الغاضبة على قراره حالت دون ان يستمر في التحدي والقول في مقابلة تلفزيونية ان العالم فوضى كاملة ومكان غاضب، وما الذي يفعله قليل اضافي من الغضب؟. ولا كون العمليات الارهابية التي وقعت في أميركا قام بها ذئاب منفردون ولدوا في أميركا أو عاشوا وتعلموا فيها، لا مهاجرون جدد.

ذلك ان القرار الذي تصور كثيرون انه شطحة خيالية عندما سمعوا ترامب يدعو خلال الحملة الى منع المسلمين من دخول أميركا، كشف ثلاثة أمور: أولها ان عنصرية ترامب جذرية لا مجرد طفرة عاطفية. وثانيها ان الرجل المغامر والجريء في عالم الأعمال يستثمر في الرئاسة سياسة الخوف على حد التعبير الذي استخدمه المعلق ديفيد بروكس في النيويورك تايمس.

وثالثها الحجم الكبير للذين يسافرون الى أميركا بمئات الآلاف يوميا، سواء للعمل أو للهجرة أو للمعالجة الطبية أو للدراسة في الجامعات أو كممثلين لبلدانهم في الأمم المتحدة وأعضاء في السلكين الديبلوماسي والقنصلي في واشنطن ومدن أميركية أخرى.

وبكلام آخر، فان قرار ترامب، الى جانب معناه السياسي، يؤذي المصالح السياسية والاقتصادية والثقافية والتجارية لأميركا بمقدار ما يسبّب الأذى لمواطني البلدان المشمولة بالمنع. وعلى العكس، فان كندا جارة أميركا وشريكتها في اتفاق نافتا للتجارة الحرّة، تدير سياسة استقطاب للمهاجرين وبشكل خاص للطلاب الذين يدرسون في جامعاتها. إذ هم وصلوا في العام الدراسي ٢٠١٥ – ٢٠١٦ الى ٣٥٠ ألف طالب. والحوافز المقدمة اليهم كبيرة للبقاء في كندا ونيل الجنسية والعمل فيها بعد التخرج. وليس وزير الهجرة حاليا سوى لاجئ جاء من الصومال ودرس الحقوق في جامعة أوتاوا.

والانطباع السائد داخل أميركا ان خطر الارهاب صار أكبر. ومن الصعب الاستمرار في هذا القرار الخطير.