يبدو ان الرئيس ترامب وتحركاته الاخيرة باتت تهدّد ٧٠ عاما من جهود مضنية قامت بها الدول من اجل اقامة نظام دولي للتجارة على اساس قواعد ومبادئ مقبولة عالميا، وكانت وسيلة لتعزيز التحالفات وتوسيع الديمقراطية والرخاء في اوروبا وآسيا على السواء.
جاءت تحركات ترامب باسم الامن الوطني لكنها شكلت خطرا على الاتفاقيات التجارية وصعّدت التوترات ووضعت منظمة التجارة العالمية على محمل الشكل، سيما وان اميركا باتت لا تلتزم الاصول والالتزامات المتعهد بها مع الدول الاخرى وخلقت شعورا بالفوضى وغياب القانون.
يقول مسؤولو الادارة الاميركية ان ردة فعل العالم جاءت مبالغ بها، وانهم يتطلعون الى التفاوض مع الدول وما فعلوه هو مجرد ايقاف تدفق الفولاذ الصيني الرخيص الى الاسواق العالمية والتي أضرّت بالوظائف الاميركية والصناعة، وحسبهم دائمًا ان الاتفاقيات التي عقدت في العام ١٩٩٠ بحاجة الى تحديث بشكل يعبّر عن الواقع الراهن في الاقتصاد العالمي.
هذا العداء الاميركي المفاجئ للاتفاقات التجارية القائمة في وقت هش يشعر فيه الاقتصاد العالمي بالصدمة من عدم تحقيق التكامل الاقتصادي المنشور منذ عقود. ويقول خبراء التجارة ان الامور قد تخرج عن السيطرة سيما وان ترامب يحاول استخدام التهديدات لاقناع الحلفاء بتقديم تنازلات، واذا كانت كوريا الجنوبية والبرازيل واستراليا متجاوبة الى حد ما مع خطوات ترامب الا ان ذلك يلاقي رفضاً قاطعًا من قبل معظم دول العالم الكبرى.
نتيجة لذلك، اعلنت المملكة المتحدة وفرنسا والمانيا والمكسيك وكندا وتركيا واليابان البدء بالتدابير المضادة والمضي في الاتفاقات التجارية الخاصة دون الولايات المتحدة الامر الذي يضع الشركات الاميركية في وضع غير مؤات في السنوات القادمة : والعديد من الشركات الاميركية قلقة اليوم في شأن تسارع الامور وفي خضم تصاعد الخلاف الاقتصادي لا سيما وان الاجراءات المتخذة لتعزيز صناعة الصلب قد تأتي بنتائج عكسية عن طريق ايذاء القطاعات الاخرى التي تعتمد على المواد الاولية الامر الذي قد يتسبّب في فقدان المزيد من فرص العمل عدا ان اسعار السلع الاميركية بما فيها السيارات من الممكن ان ترتفع.
يتفق الاقتصاديون على ان تأثير الرسوم سيكون كبيرا. وحسب Cecilia Malinstorm المفوض التجاري للاتحاد الاوروبي «ان الولايات المتحدة تقوم بلعبة خطرة».
وقد تكون هذه السياسة العدائية قضية سياسية لا سيما بفرض تعرفة جمركية عدائية لم يسبق لها مثيل على حلفاء الولايات المتحدة، واستخدام الامن الوطني كمبرر للقيام بذلك. وحسب Adam Poren رئيس معهد بيترسون للدراسات الاقتصادية الدولية سيكون من الصعب استعادة الثقة بالولايات المتحدة الاميركية كما ان عدم الثقة سيؤثر سلبًا على الاستثمار والانتاجية.
وبموجب قواعد منظمة التجارة العالمية لا يمكن فرض تعرفة الامن القومي الا في حالات الحرب او في حالة وجود تهديد مباشر في البلد ويفتح الباب امام اي بلد لاقامة حواجز تجارية ومتى شاءت.
كل ذلك قد يحصل رغم تطمينات Peter Macroni الرئيس التنفيذي في مفوضية التجارة الاميركية والذي قال انه من الممكن معالجة الآثار السلبية لتحرير التجارة دون تدمير النظام التجاري العالمي. وهناك بعض التساؤلات حول ما اذا كان هدف هذه الحرب هو جعل التجارة مع الصين ودول اوروبا اكثر عدلًا.
ولا بد ان هناك مفارقة كبيرة اذ ان الهدف من منظمة التجارة العالمية WTO والتي انضمت اليها الصين مؤخرًا هو تأمين تجارة عادلة بين الافرقاء وليس ايذاء الاقتصاد الصيني. الامر الذي سوف يدفع بالصين حكمًا الى اتخاذ تدابير مضادة قوية.
من الواضح ان تصرفات ترامب هذه جاءت نتيجة توجيه البوصلة بشدة نحو العجز التجاري «Maniacal focus» علمًا ان اتفاقات التجارة الحرة مهمة لزيادة التجارة بين البلدان ومن ميزاتها الرئيسية.
١- زيادة النمو الاقتصادي – هذا وحسب مكتب الممثل التجاري الاميركي ان ال NAFTA ساهمت في زيادة نمو الاقتصاد الاميركي بنسبة ٠،٥ بالمائة.
٢- خلق دينامية في مناخ الاعمال.
٣- انخفاض الانفاق الحكومي بعد ازالة الاعانة التجارية على البضائع الامر الذي يمكّن من استخدام هذه الاموال بشكل افضل.
٤- الاستثمار الاجنبي المباشر الامر الذي يساعد في توسيع الصناعات المحلية في كثير من البلدان.
٥- تطوير الموارد المحلية خاصة في مجال التعدين واستخراج النفط والصناعة التحويلية الامر الذي يسمح للشركات العالمية بالوصول الى هذه الفرص التجارية واقامة الشراكة مع الشركات المحلية لتنمية الموارد وتدريبهم على افضل الممارسات ويعطي الشركات المحلية الفرصة للوصول الى هذه الطرق الجديدة.
٦- نقل التكنولوجيا سيما الشركات المحلية التي سوف تحصل على احداث التقنيات من الشركاء من مختلف الجنسيات.
اضف الى ذلك ان منظمة التجارة العالمية تساعد البلدان النامية على التكيّف مع التغيرات الرئيسية في البيئة التجارية، لكن ما زال هناك الكثير مما ينبغي عمله من اجل سد الفجوة بالنسبة للعديد من البلدان الفقيرة. كذلك، ان دور التجارة في دعم التنمية لم يتحقق بعد بالكامل لكن التقارير تشير الى ان التجارة ستكون قوة رئيسية من اجل دعم التنمية في القرن الواحد والعشرين لا سيما مع دخول البلدان النامية وبصورة متزايدة في شبكات الانتاج الدولية.
وعززت منظمة التجارة العالمية التقدم المحقق من جانب كثير من البلدان النامية عن طريق اتاحة الفرص لهم للاستفادة من التكيّف وتخفيف المخاطر من خلال المساعدة التقنية.
لذلك يبدو ان خطوات ترامب هذه ليست رؤيوية ولا تأخذ بعين الاعتبار سوى مصالح صناعات الصلب في الولايات المتحدة، وتثير الكثير من التساولات حول الاتفاقيات العالمية، ولا يمكن الا ان تضر بالمصالح الدولية والاهداف العالمية نحو مزيد من انفتاح الاسواق ورفع الحماية وتضر الكثير بوجود منظمة التجارة العالمية وفعاليتها.