IMLebanon

ترامب والقدس: تجاوز «خــصوم» الداخل فكيف سيواجه العرب؟

 

لا تخلو التقاريرُ الديبلوماسية الواردة من واشنطن منذ دخول الرئيس دونالد ترامب البيت الأبيض من الإشارة الى خلافاته ومساعديه الكبار. وهو ما ظهر جلياً في اعترافه بالقدس عاصمةً لإسرائيل إذ ألقى الضوءَ على أزمته مع رباعي إدارته القوي، التي تجاوزها، ما يطرح أسئلة عن طريقة معالجته للمعارضة الخارجية الواسعة عالمياً وعربياً. فكيف سيردّ؟

قبل أن يسترسلَ أحد المسؤولين في الخارجية الأميركية في الحديث امام مجموعة من الإعلاميين عن الظروف التي رافقت صدور قرار ترامب، قال إنه سار على خطى أسلافه رؤساء الولايات المتحدة منذ 22 عاماً بتجميد العمل بالقانون المذكور مرة واحدة في مطلع الصيف الماضي بعد مرور ستة أشهر على بدء ولايته، وهو بذلك استخدم الحقّ الذي منحه إياه الكونغرس منذ صدور هذا القرار.

وبالأمس القريب – أضاف المسؤول – جدّد القريبون من ترامب ومعهم عدد كبير من المسؤولين والسفراء الذين حذّروا قبل شهرين من خطورة مثل هذا التوجّه ومعهم قادة الغالبية والأقلّية في الكونغرس، النصيحة عينها، فلم يمتثل لأحد منهم، ولما وسّع من قاعدة مشاوراته في الخارج أوروبياً وعربياً وخليجياً سمع الرأيَ نفسَه ومعه التوقعات بالتردّدات السلبية على خطورتها، لكنه مضى في قراره.

ويَروي المسؤول أنّ آخرَ الإتصالات التي أجراها ترامب كانت مع الرباعي القيادي الوافد الى الإدارة الأميركية الجديدة من السلك العسكري والذي يعرف المنطقة بكامل مميّزاتها السوسيولوجية والعسكرية وهو وزير الخارجية ريكس تليرسون، وزير الدفاع الجنرال جيمس ماتيس، مستشار الأمن القومي الفريق هربرت ريموند ماكماستر ومدير مكتبه الجنرال جون كيلي، فسمع الكلام نفسه مع ما حمله من تحذيرات تُنذر بالشرّ المستطير في حال اتّخذ مثل هذا القرار، لكنه أنهى الإجتماع ولم يسمع استعداداً لتغيير رأيه سوى وزير الخارجية الذي قال بعد اللقاء ما معناه «إنّ إعلاناً من هذا النوع هو ببساطة إقرار بالوضع القائم في القدس». فالقنصلية الأميركية هناك أكبر من السفارة في تل ابيب، وتشهد نشاطاً يفوقها بكثير.

وعليه، يقول المسؤول إنّ ترامب تصرّف إستناداً الى موقف شخصي وتعهّد قطعَه لليهود الأميركيين في الولايات المتحدة قبل الإنتخابات الرئاسية ولا بد أن يفيَ به أيّاً كانت العواقب، وأنّه مهما بلغت ردودُ الفعل ستكون لها مخارج وحلول قد تكلّف الولايات المتحدة بعض الأثمان التي عليها دفعها، شرط اتّخاذ كل التدابير التي تكفل حماية المقار والمصالح التجارية والديبلوماسية والمواطنين في العالم.

على هذه القاعدة، يجزم المسؤول أنّ ترامب تجاوز ملاحظات واعتراضات اركان إدارته وتجاهل مضمون تقارير كثيرة تحدثت عن مخاطر القرار، خصوصاً لجهة ما سيعكسه من شلل على المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية والعربية والتي تُهدّد الاعتبارات التي وصفت الدور الأميركي بالوسيط. فكل المفاوضات السابقة أجمعت على صيغة واحدة تعني القدس وتقول بربط مصيرها الحاسم بالمراحل النهائية لأيِّ مفاوضات والتفاهمات التي يمكن الوصول اليها.

وإزاء العرض الذي قام به المسؤول الأميركي، سأله احد المشاركين في اللقاء عمّا نشرته «النيويورك تايمز» عن خطة لاستبدال القدس كعاصمة لفلسطين بمدينة ابو ديس وقطعة من سيناء بدلاً من قطاع غزة، فقال إنّ كلّاً من القيادات السعودية والفلسطينية والمصرية التي اتّهمت في الرواية المذكورة رفَضت مضمون هذا السيناريو واعتبرته كذبةً كبيرة ولا وجود له.

ولفت الى أننا لم نفهم الهدف من هذه الرواية المختلقة قبل أن يصدر القرار بشأن القدس واعتبرناها محاولة مسبَقة مهّدت للقرار ومحاولة لزرع الشقاق بين العرب ودول الشرق الأوسط والخليج العربي.

كما سُئل المسؤول الأميركي عن طريقة مواجهة موجات الرفض العربية والإسلامية ونتيجة الإصطفاف الدولي الرافض للخطوة الأميركية، فقال: لا أعرف كيف سنواجه الرفض الدولي، ولكنّ أمامنا رواية يمكن أن تشرح طريقة تعاطي ترامب مع العرب والسعوديين خصوصاً.

وأضاف: عقب الإتّصال الذي جرى مع العاهل السعودي سمع ترامب كلاماً سعودياً قاسياً وموقفاً صلباً من الخطوة وتحذيراً من نتائجها المباشرة وغير المباشرة وامتداداتها على دول المنطقة والدول الإسلامية، وتضمّن نفياً للروايات التي سبقت القرار ومنها رواية «النيويورك تايمز»، وهو ما لم يؤثر في قرار ترامب ولم يثنِه. وتابع: بعد ساعات على إقفال الخط مع الملك السعودي، أقدم ترامب على خطوة سلبية يمكن أن تشكّل مثالاً لما يمكن أن يقدم عليه مع رافضي القرار.

فقد طلب ترامب من الخارجية الأميركية والمؤسسات التابعة لإدارته توجيه بيان الى المملكة ودول الحلف الإسلامي التي تشاركها الحرب في اليمن بضرورة فكّ الحصار الغذائي والتمويني عن السكان المدنيّين، مع الإشارة الى الضحايا اليمنيين من المدنيين الأطفال والسكان العزّل وهو بيان لا سابق له في الشكل والمضمون والتوقيت.

وعليه، انتهى اللقاء مع المسؤول الديبلوماسي الأميركي الى نتيجة مفادها أنّ ما قام به ترامب خطوة لا رجوع عنها، وجاء تجاوب وزارة الخارجية للبدء بالتحضيرات لبناء السفارة الأميركية الجديدة ليتلاقى ونواياه.

مع الإشارة الى أنها ستكون على أرض صادَرتها إسرائيل من مواطنين مقدسيّين، وهو ما قد يحيي دعوى رُفعت امام المحاكم الدولية لإستعادتها منذ مصادرتها، الأمر الذي قد يفتح الباب امام سيناريو يؤدّي الى تأخير عملية البناء، لكنّ ذلك لن يحول دون تنفيذ القرار ولو انتهت ولاية ترامب قبل بنائها.