قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن رئيس سوريا السابق بشار الأسد بأنه «مجرم». وأكمل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الجملة وجعلها تامّة: المجرم «يجب أن يُحاكم» على جرائمه!
وفي القولَين الأثيرَين من على منبر الأمم المتحدة، بعض العزاء للضحايا! وبعض الاستدراك الضميري (والقانوني!) لشطط سياسي مقصود ذهبت بموجبه الدول الكبرى اللاهجة والمأخوذة والمسحورة بـ«حقوق الإنسان» إلى التفرّج من بعيد على تراكم ارتكابات وفظاعات، كان الظن أنّها اندثرت مع اندثار الطغاة الكبار في الحرب العالمية الثانية.. ثم مع شيوع التواصل وآلياته وتقنيّاته، وانعدام القدرة (؟) على ارتكاب الجريمة الجماعية وإخفاء معالمها أو إدّعاء البراءة منها، أو التملّص من مسؤوليتها، أو رميها على الغير.
.. لكن «فعَلَها» بشّار الكيماوي! وعلى المكشوف! وبالصوت والصورة! وراهن على نجاحه في إدراج جرائمة «الخاصة» في إطار «عام» هو «الحرب على الإرهاب».. وكسب الرهان (وإن مرحلياً في كل حال) بحيث أنّ المألوف الإعلامي الراهن يضيء بكل زخمه وأضوائه على «شجرة» الإرهاب، وينطفئ إزاء «الغابة» الإجرامية الأسدية!
قيل كلام كبير في الولايات المتحدة عن «العار» الذي ألحقته النكبة السورية بقيمها وريادتها في قيادة «العالم الحر».. والمقصود في ذلك السياسات التي اعتمدتها إدارة السيّئ الذكر باراك أوباما! وقيل كلام أكثر فخامة ونبلاً من قِبَل الجماعات المعنيّة بحقوق البشر، والهيئات القانونية والقضائية المعنيّة بتسجيل وأرشفة الجرائم المُرتكبة.. وتجميع الملفات في شأنها في انتظار اللحظة (السياسية) المناسبة للشروع في المقاضاة والمحاسبة.. لكن ذلك على كثرته وكثافته، لم يُفضِ إلى نتيجة منطقية تتضمن شيئاً من العدالة.. وبقي المرتكب في مكانه! بل وراح يتشاوف بخفّة نيرونيّة بذلك البقاء! وبتحويله شعار المطالبة برحيله، إلى حقيقة «ترحيله» نصف السوريين عن بلادهم! وتخريب ديارهم والفتك الضاري بأرواحهم وكراماتهم!
لكن ما قاله ترامب وماكرون (وغيرهما) علناً، وما يقوله حتى رعاة الأسد (الروس) سرّاً، يعني في السياسة، ما يعنيه في اللغة تماماً! حتى وإن دلّت الأوليات الراهنة إلى شيء آخر. وهذه الحسبة تعني رمي مياه باردة على الرؤوس الحامية الهازجة بـ«الانتصار» أو بداياته! وتعني تالياً العودة إلى المربّع المنطقي الأول: الانتصار في الحرب على الإرهاب، لن يكون «إنتصاراً» للتركيبة الأسدية! و«الحل السياسي» المُحكى عنه كثيراً وطويلاً، لن يعني مهما طال الزمن، تبرئة الأسد من جرائمه ولا إعادة تأهيله! ولا عودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل آذار 2011! أو حتى عودة سوريا إلى وضعيتها السابقة!
وأكثر مَن يعرف هذه الحقيقة هو بشّار الأسد نفسه الذي قال عنه ترامب أنّه «مجرم». وارتأى ماكرون، أنّه «يجب أن يُحاكم» على جرائمه!