Site icon IMLebanon

ترامب والصواريخ التي أطلقها على النسيج الأميركي

 

أحداث عجيبة ما زالت تدور على ساحات الولايات المتحدة، وتزداد علامات التعجب والإستغراب تجاهها منذ الإعلان عن فوز ترامب المذهل بمنصب رئاسة الولايات المتحدة الأميركية. قليلون جدا هم من كانوا يترقبون فوزه بهذا المنصب الخطير المتحكم بمفاتيح الحكم والسلطة في أعظم وأعتى دولة في العالم، رغم ما بات يُلحظ من بدايات اهتزاز وشروخ تطاول أساساتها الإقتصادية والإجتماعية التي طفت على ساحة الواقع الداخلي، في الوقت نفسه الذي بدأت فيه قوى أخرى في العالم تنطلق في تدعيم بناء مكامن القوة والنمو لديها، والمتطلّع إلى آفاق العالم الرحب وفي طليعتها الصين. ولبثت البراكين تغلي في الأعماق الأميركية إلى أن طفت إلى سطح الأحداث من خلال الإنتصار غير المتوقع الذي حققه ترامب والذي نال من أوصاف الإنتقاد الحاد ما لم ينله قبله أي فائز في انتخابات الرئاسة الأميركية، وصولا في ذلك إلى تخلّي أركان حزبه الجمهوري عن تبني ترشيحه، فخيل للمراقبين والمتابعين أن السقوط في الإنتخابات الرئاسية، سيكون النتيجة الوحيدة التي توقعها كثيرون، بما فيه مؤسسات الإستطلاع والإحصاء، فسقط الجميع في امتحان التوقّع، وجاءت المفاجأة المدّوية: ترامب المتهور، الجاهل سياسياً ومجنون العظمة والرأي والمجاهر بسياسة تغيير متطرف في التوجهات السياسية الداخلية والخارجية، وفي النهج الإقتصادي والنظرة العنصرية إلى مكونات بلاده العرقية والإجتماعية والسياسية وصولا في ذلك إلى ما صرّحه تكرارا عن نظرته إلى العرب والمسلمين واللاتينوس وكذلك الأفارقة السود الذين شكّلوا منذ بدايات النشأة الأميركية، جزءا لا يتجزأ من كيان الولايات المتحدة، إلى حدّ وصلوا فيه إلى قمة السلطة من خلال سلفه أوباما، وها هي أوروبا بدُولها كافة، تتلقى ضرباته الأولية منذ الآن متعاملا معها بلغة رجل الأعمال الذي بات يهيىء الوضع الأميركي للتنصل من الأعباء المادّية التي تتكلّفها الولايات المتحدة نتيجة لتحالفها العسكري وتوافقها السياسي مع بلدان القارة الأوروبية، إلى حدّ دفع بالرئيس الفرنسي «وسواه من القادة الأوروبيين» إلى التحسب الشديد لهذه المستجدات الطارئة والطاغية، داعيا الدول الأوروبية إلى الإستعداد لتسليم زمامها كلّه إلى قياداتها وامكانياتها الذاتية بعد أن باتت مهددة بسياسة الإنعزال وتدفيع الأثمان والنأي بالنفس، وهي من المستجدات الرئيسية المزلزلة التي بدأت تدخل إلى ظروف ومعطيات السياسة الدولية.

وها نحن اليوم تصل إلينا أخبار لم نعتد على وجودها في أي موقع من مواقع الولايات المتحدة.

ويتساءل كثيرون: ما هي حقيقة ما يحصل في الولايات المتحدة وهل صحيح أن أعدادا مهمة من طلائع المجتمع الأميركي قد أصيبت بنوع من انفصام الشخصية، فأعلن بعضهم عن أنهم لن ينتخبوا ترامب لأنهم كانوا يخجلون من هذا التصريح العلني، الذي يقلل من شأنهم الثقافي والإجتماعي بينما هم صوّتوا في الواقع لترامب، تجاوبا مع الإهتزازات التي باتت الولايات المتحدة تعاني منها اجتماعيا وسياسيا وعنصريا واقتصاديا، حتى لبتنا نحن في لبنان، بلد الطوائف والمذاهب والأحزاب المتعددة تعدد الهموم على القلوب، والتناقضات والتناهضات المعروفة التي أدّت إلى اهتزازات كادت وما تزال أن تقضي على أهم مقومات الوجود اللبناني، ودون أية مقارنة بحجم بلادنا المتواضع مع حجم الولايات المتحدة العملاق، فإننا بتنا نلمس، معالم مقلقة تكاد أن تكون مماثلة، وروائح مادية ومعنوية كريهة نعرفها في بلادنا جيدا، بعضها جاء في بعض بوادر ومطالب حملت بترامب إلى الحكم، وهي تذكرنا بما ابتلينا به ونخشى من نتائجه التي تتوالى علينا كرّا وفرّا وفق المعطيات المحلية والإقليمية والدولية التي تتغير علينا بتغير الزمان والدول والأنظمة.

هي مجرد ملاحظات، نعلم جيدا أنه ربما كانت مبالغا فيها، أو جاءت قبل أوانها، أو هي من أخطار المستقبل الذي يتوقعه الكثيرون للولايات المتحدة، كما نعلم جيدا أن هذا البلد الواسع الشاسع بكل طاقاته وإمكانياته قادر على معالجة أوضاعه مهما ساءت وادلهمّت خطورتها، ونعلم أنها الولايات المتحدة، القادرة على كل شيء والطائلة لكل شيء، ولكنها أحداث خطيرة تلك التي تستجد على ساحاتها، منطلقة من الشروخ العمودية الهامة التي تطاول أعماقها الحبلى بالتناقضات وهي تستدعي إليها دراسات معمقة لا تستند إطلاقا على توقعات المراجع الإحصائية التي جزمت بفوز كلبنتون ورَكَنتْ خصمها في زوايا الهزيمة، فإذا بنا أمام ما حصل، من انتصار مذهل لترامب، وتوجّهاته ومواقفه المزلزلة.