IMLebanon

محاولات يائسة لإبعاد ترامب عن بوتين

خلال المؤتمر الصحافي السنوي الذي عقده الرئيس الروسي قبل أسبوع من حلول العام الجديد، رفعت صحافية روسية حسناء تم اختيارها بعناية لتلفت الأنظار، لافتة تشبه تلك التي درجت أيام الاتحاد السوفياتي السابق وتحمل صور «القادة المؤسسين»: ماركس وأنغلز ولينين. لكن اللافتة الجديدة حملت صور ترامب وبوتين وبينهما مارين لوبن.

وفي حين أن الرئيسين، الأميركي المنتخب والروسي، لا يخفيان سعيهما إلى علاقات وطيدة بين بلديهما، لم تتأخر المرشحة اليمينية المتطرفة إلى الرئاسة الفرنسية في «تفسير» اللافتة عندما دعت قبل أيام إلى قيام تحالف بين الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا «لمحاربة التطرف الإسلامي الذي يشكل التهديد الأكبر لديموقراطياتنا».

وفي هذا المؤتمر الصحافي ذاته، أكد بوتين الذي اتهمته وكالات الاستخبارات الأميركية بالتدخل في الانتخابات الرئاسية، أن «ما من أحد كان، باستثناء روسيا، كان واثقاً في فوز ترامب». وأعاد ذلك إلى أن البليونير الأميركي الذي تربطه ببلاده علاقات عمل غير مباشرة «أدرك مزاج المجتمع الأميركي وعرف كيف يخاطبه وواظب على ذلك حتى النهاية». أي أنه رئيس مقبل من خارج المؤسسة التقليدية (استبلاشمنت) التي لا يعبأ كثيراً بها، ويستمد شرعيته من جمهوره وحده.

في المقابل، بدا أن أطرافاً أميركيين بينهم الديموقراطيون ورئيسهم المنتهية ولايته، إضافة إلى بعض عتاة الجمهوريين، يبذلون محاولات مستميتة للحؤول دون أن يخرج ترامب عن الخط الذي ترسمه الأجهزة، خصوصاً الأمنية، لإرشاد الرئيس عادة، وأن ينسج علاقات خاصة مع روسيا يرون أنها «تتعارض» مع المصالح الأميركية البعيدة المدى، وتضعف الزعامة الأميركية في العالم، لا سيما أن موسكو لا تظهر أي تلكؤ في الحلول مكان واشنطن في أي ساحة تقرر هذه الانكفاء عنها. وهو ما حصل في سورية ولبنان، وقد يحصل في أفغانستان على حد معلومات يسربها الروس أنفسهم.

ويندرج في إطار هذه المحاولات التقرير الذي نشرته «سي آي أي» عن قرار اتخذه بوتين شنّ حملة قرصنة عبر الإنترنت وحملة موازية من المعلومات التضليلية، لمحاولة التأثير في نتيجة الانتخابات الأميركية وتسهيل فوز ترامب، لكنه لم يصل إلى حد تأكيد أن هذا التدخل هو ما أدى إلى فوز الجمهوري «المتمرد». ثم أتبعته الوكالة بتقرير ثان سلمت أيضاً ملخصاً عنه إلى ترامب يفيد بأن الروس جمعوا معلومات «محرجة» عن حياته الشخصية والمالية، قد تسمح بابتزازه، ويؤكد أن فريق الرئيس المنتخب كان على تواصل مع روسيا خلال الحملة الانتخابية. وهو ما نفاه الرجل واعتبره «حملة سياسية مغرضة»، بعدما كان شكك في صحة نسبة قرصنة مواقع الحزب الديموقراطي إلى موسكو، واعتبر من يرفضون قيام علاقات جيدة مع روسيا «أغبياء».

أما في الجانب الآخر من الأطلسي، فيبدو أن فرنسا متجهة بدورها إلى تغيير كبير في علاقاتها مع روسيا، بعدما شاركت بفاعلية في العقوبات والموقف المناهض للتدخل الروسي في جورجيا، ثم في أوكرانيا، ولاحقاً في سورية. ومع أن من المستبعد فوز لوبن في انتخابات نيسان (أبريل) المقبل، فإن المرشح الأكثر ترجيحاً لنيل الرئاسة فرنسوا فيون لا يختلف معها كثيراً في الموقف من موسكو، بل تربطه صداقة وعلاقة أسرية قوية مع بوتين الذي يستضيفه عادة في منزله بمنتجع سوتشي على البحر الأسود.

هكذا، ترتسم ملامح «حلف جديد» يمتد من موسكو إلى باريس وواشنطن، على رغم حملة الاعتراضات المستميتة ومحاولات العرقلة التي تقودها «سي آي أي»، قد يؤدي قيامه إلى تغييرات هائلة في الخريطة السياسية للعالم، بينها التفتت الزاحف نحو أوروبا. لكن المفارقة المؤلمة أن هذا الحلف قد ينقذ من التغيير أنظمة متهالكة في الشرق الأوسط، من بينها نظام بشار الأسد.