IMLebanon

ترامب وتصفير العلاقات فهل يكون غورباتشيف أميركا؟!

لم يثر رئيس أميركي في التاريخ بقدر ما أثاره دونالد ترامب من ضوضاء وغموض وحيرة بوصوله الى الرئاسة، ليس في الداخل الأميركي وحسب وانما أيضا في العالم. فوزه غير المتوقع أحدث صدمة عامة أميركية وخارجية، وحالة من الذهول مقرونة بالقلق والخوف… ذلك أن الولايات المتحدة عندما تعطس يصاب العالم بالزكام، فكيف اذا كان هذا الحدث أشبه باصابة أميركا بورم خبيث كما يقول البعض؟! ولأن الرئيس حامل الرقم ٤٥ قدم نفسه للأميركيين والعالم على أنه قائد يحكم بأسلوب الأسود والأبيض فقد ذهبت غالبية من المحللين الى الحكم عليه بالأسلوب نفسه، بين من تنبّأ بمستقبل مظلم للولايات المتحدة، أو بمستقبل مشرق سيجعل من أميركا أولا دولة أميركا الأعظم!..

… ولكن يمكن النظر بموضوعية أكبر، بدءا أولا من فوزه بالرئاسة. والنزعة الطبيعية تقليديا لدى الناخب الأميركي هي التغيير. وعندما تأتي ادارة تعتمد سياسة خارجية هجومية وتوسعية في العالم، يختار الشعب الأميركي بعدها رئيسا يتجه نحو الداخل، وهكذا. وبين المرشحين للرئاسة من الحزبين، كان هناك من يتحدث بخطاب سياسي متطابق مع توجهات ترامب، ولكن لماذا اختار الأميركيون ترامب بالذات ودون سواه؟ بشيء من التبسيط يمكن القول ان ارادة التغيير هي السبب الأول والمباشر. وهنا لعب ترامب دوره ببراعة.

وكان سلاحه الأمضى في الشكل، هو شعره الأشقر الرنان في لونه الأصفر الذهبي، كبديل للرئيس الأسمر بشعره الأسود الفحمي! وأضاف ترامب الى هذا الشكل الخارجي مضمونا يحيي الحنين الى سطوة العرق الأبيض المتفوّق عنصريا، فأصبحت الرئاسة قضية!

وصف أحد مراكز الدراسات الدولية توجهات ترامب الخارجية بأنها تصفير العالم بعد نحو سبعين سنة من الباكس – أميركانا، والبدء من جديد، أي انتهاء المرحلة السابقة وبدء مرحلة جديدة كليا. ومثل هذا الخيار القاطع والجازم أي يا أسود يا أبيض لا يحتمل إلاّ أحد مصيرين: اما نجاحا خارقا، واما فشلا مدويا!.. فما هي حظوظ نجاحه أو فشله؟ في سجل الوقائع: فوزه بالرئاسة كان على حساب احداث شرخ عميق في المجتمع الأميركي، أي الأبيض ضد الأسود وأخواته. وعلى الرغم من انه ملياردير وناجح بجمع المال والثراء، فان غالبية من خبراء المال والاقتصاد ترى في سياسته المالية والاقتصادية أخطارا جسيمة على الاقتصاد والمجتمع في آن. وهو يعلن توجهات عدائية نحو أوروبا والصين والأطلسي والعرب والمسلمين وايران ويكشف عن نيّة نقل السفارة الأميركية الى القدس وغير ذلك من سياسة الدعم المفتوح لاسرائيل، ويقول في الوقت نفسه ما يناقض ذلك باتباع سياسة صداقة مع دول العالم!

باختصار! أعلن ترامب سياسة تصفير العلاقات مع العالم ليبدأ علاقات على أسس جديدة. والأكثر خطورة انه أعلن أيضا عن تصفير العلاقات في الداخل الأميركي أيضا… ويخوض حرب إلغاء ضد الاستبلشمنت الحاكم، ومعارك ضد الاعلام والأجهزة الاستخبارية وغيرها، بل وضد التظاهرات الشعبية المضادة! وحالة ترامب اليوم تشبه حالة غورباتشيف في حينه الذي خرج بخطاب سياسي جديد ينادي باعادة البناء والشفافية البريسترويكا والغلاسنوست، وكان بمثابة تصفير علاقات الاتحاد السوفياتي مع العالم وفي الداخل معا. وقاد الحرب ضد الاستبلشمنت الشيوعي بالغاء الدور الدستوري للحزب الشيوعي في تنظيم الدولة. وقد أغدق الغرب جوائزه على غورباتشيف بما فيها جائزة نوبل للسلام… فهل يكون ترامب هو غورباتشيف الأميركي، وتنهال عليه الجوائز الكبرى بعد ذلك من روسيا والصين و… ايران؟! غورباتشيف قاد الاتحاد السوفياني الى الانهيار، فماذا سيفعل ترامب؟!