أن تضمّ إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في صفوفها الأساسية ثلاثة جنرالات كانوا قد خدموا في العراق سابقاً، فلهذا الأمر دلالاته المهمة.
وزير الدفاع جيمس ماتيس والمكلّف بوضع كامل خطة الحرب على “داعش”، وزير الأمن الداخلي والمكلّف بتنفيذ خطة طرد المهاجرين غير الشرعيين جون كيلي، ومستشار الأمن القومي الجديد هربرت ماكماستر والمكلف في أولى مهامه بإعادة هيكلة فريق السياسة الخارجية في البيت الأبيض، ما سيمنحه صلاحيات على الامن الداخلي ووصولاً مريحاً الى داخل الجيش وأجهزة المخابرات المختلفة.
هؤلاء الثلاثة هم جنرالات متقاعدون في الجيش الأميركي سبق أن عملوا جميعاً في العراق، ما يعني أنّهم يعرفون ساحات الشرق الاوسط جيداً بمشاكله وتعقيداته.
صحيح أنّ وصول ترامب الى رئاسة البلاد زاد من تأثير رجال العسكر داخل غرف القرار، لكنّ الحقيقة أنّ مرحلة صعود العسكر بدأت منذ فترة بعيدة وتحديداً بعد أحداث 11 ايلول 2001. لكنّ حضور هؤلاء داخل مراكز صنع القرار الأميركي بات طاغياً ولا سيما مع وقوف الكثير من القطاعات العسكرية المؤثرة إضافة الى قطاع صناعة الأسلحة الى جانب ترامب خلال سعيه للوصول الى البيت الابيض.
باختصار فإنّ حضور هؤلاء سيشكل دفعاً لتنفيذ سياسة أكثر تشدّداً وقوة خصوصاً في الشرق الأوسط الذي يعرفونه جيداً، كما أنّ الصراع الداخلي المتصاعد قد يدفع بهؤلاء الى قرارات متهوّرة وهنا مكمن الخطورة.
المتخصّصون في الشأن الأميركي يُجمعون على أنّ ترامب يملك ذهنية رجال الأعمال ولو بأسلوب خطابي غرائزي وحربي. ما يعني حسب هؤلاء أنّ الرئيس الأميركي يرفع السقف ويتحدّث بلغة قوية ويذهب الى البعيد تمهيداً لإجراء صفقة ناجحة، وبالتالي فإنّ أسلوبه يهدف إلى اقتناص أقصى ما يمكن لدى إنجاز الصفقة.
لكنّ الخطر يكمن في أنّ السياسة تختلف عن عالم الأعمال من زاوية أنّ الخطأ في الثانية ينهي الصفقة، أما في الأولى فإنّ الخطأ في الحسابات قد يأخذ البلاد الى خيارات مجهولة.
خلال الأيام الماضية تحدّث ترامب عن نيّته طلبَ موازنة هائلة للجيش، مضيفاً بأنه سيكون أضخم تطوير للجيش في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية.
وعدا أنّ هذا الإعلان يُلهب الحماسة في صدور الشريحة التي تساند ترامب، لكنّه يعني في النهاية إرضاء مصالح قطاع انتاج الاسلحة داخل البلاد، وهو القطاع الذي دعم ولا يزال ترامب، والأهمّ أنه القطاع ذات النفوذ القوي والأخطر داخل البلاد.
خلال ستينات القرن الماضي، حاول الرئيس جون كيندي الذي شكل وصوله ثورة داخلية بيضاء، وقف حرب فيتنام لكنّه اصطدم بمعارضة داخلية ولا سيما من الجيش وقطاع صناعة الاسلحة، وما لبث كيندي أن اغتيل بعدما كانت المؤشرات تتّجه إلى إعادة انتخابه لولاية ثانية… واستمرت حرب فيتنام حتى العام 1975.
في الأرقام الاخيرة، أنّ مبيعات الأسلحة الاميركية سجّلت خلال العام الماضي زيادة بنسبة قدرها نحو 40 في المئة، وهي نسبة هائلة مع الإشارة الى أنّ معظمها ذهب الى الشرق الاوسط. لكنّ إبقاء باب تجارة الأسلحة مفتوحاً ومزدهراً شيء، والقضاء على تنظيم “داعش” ومخاطره التي تُهدّد أمن المجتمعات الغربية شيء آخر.
في الحالة الأولى، المطلوب إبقاء ساحات الصراع مفتوحة، لا بل والبحث عن ساحات صراع إضافية شرط أن تبقى تحت سقف السيطرة. وفي الحالة الثانية إنجاز خطة القضاء على وجود التنظيم وقطع تمدّداته التي تصل الى أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، وإبقاء إمكاناته ضمن حدود الشرق الأوسط ليس أبعد. ما يعني القضاء على “دولته” وإبقاء فاعليته محدودة في المكان والزمان.
وقد هال المسؤولين الغربيّين أن يكون انتحاري الموصل بريطانياً كان قد اعتقل سابقاً في معتقل “غوانتانامو” واطلق سراحه ليعود ويعيش في بريطانيا قبل أن يذهب وينفّذ عمليته الانتحارية. ما يعني أولاً أنّ الرقابة الأمنية الغربية غير فعالة، وثانياً أنّ الخطر الداخلي لا يزال مرتفعاً.
وخلال الأيام الماضية زار قائد المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي الجنرال جوزف فوتل شمال سوريا بعيداً من الإعلام، حيث التقى قوات أميركية وصلت حديثاً، لكنه ركز على الأكراد ما يعني إيلاؤهم دوراً أساساً في الحرب على “داعش”. وقيل إنّ فوتل التزم للأكراد تزويدهم بأسلحة نوعية وثقيلة، وهو ما كان محظوراً سابقاً لعدم إثارة تركيا.
الجنرال الأميركي الذي سيصل اليوم الى لبنان في زيارة تستمر ست ساعات، يُدرك أنّ تنظيم “داعش” باشر برفع مستوى إرهابه ليطاول مباشرة هذه المرة المجتمعات المسيحية أولاً، لاعتبارها الخاصرة الرخوة، وثانياً لإثارة الحساسيات المسيحية- الإسلامية، وبالتالي اجتذاب الحماية له. لذلك يعمل على استهداف المسيحيين في العريش في سيناء لدفعهم الى المغادرة من خلال أساليب مرعبة مثل حرق احدهم حيّاً.
وتدرك القيادة الاميركية حساسية الساحة المسيحية و”جاذبيّتها” بالنسبة الى “داعش”، خصوصاً مع بدء الضغط العسكري الجوّي في سوريا.
في المقابل، لا تبدو تركيا مرتاحة للخيار الأميركي تجاه الأكراد، ولا واشنطن تجاه سياسة الرئيس رجب طيب أردوغان الداخلية.
فالرئيس التركي يندفع في سياسة إزالة الطابع العلماني للجيش. تارةً يسمح بالحجاب ومرةً أخرى يصطحب معه رئيس الأركان لأداء فريضة العمرة، وهي المرة الأولى التي يشاهَد فيها مسؤول عسكري تركي. وفي الوقت نفسه واستعداداً لتحدّيات الداخل، باشر صهرُ أردوغان بإنشاء تنظيم مسلّح سيكون بمثابة الذراع الداخلية لحزب أردوغان.
وكان لافتاً أن يزور الرئيس التركي ثلاث دول خليجية هي السعودية وقطر والبحرين، وُصفت بأنها ناجحة لناحية مساندة الاقتصاد التركي المتراجع عبر جذب استثمارات جديدة.
في المقابل، جاءت زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني الى دولتين خليجيّتين هما سلطنة عمان والكويت بمثابة الرسالة الإيرانية بأنها ستبقى موجودة سياسياً هناك بمعزل عن حرب اليمن وبؤر التوتر المفتوحة.
لكنّ الخطوة الأهم، برزت في العراق لناحيتين: الأولى زيارة وزير الخارجية السعودية عادل الجبير الى بغداد وهي الأولى لوزير خارجية سعودي منذ العام 2003، كما أنّ السعودية كانت فتحت سفارتها في بغداد عام 2015 بعد قطيعة منذ غزو صدام حسين للكويت.
والخطوة الثانية هي الغارة العراقية على مواقع لـ”داعش” داخل الاراضي السورية والتي جرت بتنسيق مع السلطات السورية من جهة، وبإشراف ومساعدة الجيش الأميركي من جهة أخرى. وهي بمثابة المؤشر لواقع جديد تتّجه اليه الأمور ولتؤكد ربما بالملموس أنّ ترامب هو رئيس بذهنية رجال الأعمال ولو بأدوات عسكريّة ونبرة حربية.