تتغيّر مظاهر وظواهر كثيرة في السياسة الأميركية، وتبقى الاستراتيجية وحدها ثابتة على مرّ السنين ولا تتغيّر إلاّ بعد تحقيق أهدافها مهما طال الزمن، فتحل محلّها استراتيجية أخرى وقد تستمر لعقود أخرى من الزمان. من المتغيرات: يأتي رئيس من الحزب الجمهوري يليه رئيس من الحزب الديموقراطي، ويستمر التعاقب متأرجحا بين الحزبين. رئيس متّزن يمارس سياسات انفتاح وحوار وسلام، ورئيس عاصف يمارس سياسات هجومية وعدوانية بايقاع يتراوح بين الهستيريا والجنون، وهكذا… رئيس يتزلج على ثلوج الحرب الباردة، ورئيس يتشمس على رمول البحار الدافئة على امتداد شواطئ العالم!
***
في الاستراتيجية الأميركية خط خفي ثابت ولا يتغيّر هو ذلك المتعلق بالصهيونية واسرائيل، ويتخذ في الممارسة السياسية أشكالا حربائية متلونة تبعا لموازين القوى في الصراع العربي – الاسرائيلي من جهة، ولمتطلبات المصالح الأميركية الظرفية من جهة أخرى. وكما كان هدف الاستراتيجية الأميركية بعيدة المدى هو تفكيك الاتحاد السوفياتي واسقاط الشيوعية في العالم، فان هدف الخط الصهيوني في الاستراتيجية الأميركية هو إضعاف الدول العربية وتفتيتها وتقسيمها بهدف ازالتها عن الخريطة كقوة عربية قومية موحدة، وتعبيد الطرق أمام اسرائيل لتحقيق حلمها التوراتي الخرافي القائل: بلادك يا اسرائيل من الفرات الى النيل!
***
نجحت القوة الأميركية – الصهيونية على امتداد نحو ثلاثة أرباع القرن تقريبا، من تدمير القوة العربية ودولها تباعا وبمنهجية ثابتة، مستعملة كل الوسائل المتاحة، من حروب ومعاهدات سلام منفرد، واستنزاف اقتصادي، وتفجير التناقضات الاجتماعية والعرقية والاتنية وغيرها في المجتمعات العربية، وحروب أهلية داخلية وغير ذلك، وهذه الاستراتيجية الأميركية الصهيونية تجلّت اليوم في دونالد ترامب الرئيس اللقطة الذي يمثل فرصة تاريخية لوصول هذا المخطط الى نهاياته السعيدة. ولم يتبق في المنطقة من مواقع القوة سوى المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي من جهة، وايران على الضفة الثانية من جهة أخرى.
***
الطريق الأوحد لتفكيك ما تبقى من المنطقة بما يتيح لاسرائيل السيادة عليها، هو اشعال حرب مدمّرة للعرب والفرس معا بالتحريض على حرب بين السعودية والخليج وايران! وهذه المرة لا يهمّ أميركا مصير النفط في المنطقة والعالم، لأن مجاعة النفط المقبلة ستكون هي منجم الذهب الأسطوري للنفط الصخري الأميركي!