Site icon IMLebanon

ترامب بين إيران و«الكلب المسعور» وسوريا

ما خَفِيَ

ابتسم الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب قبل أيام وهو يقول: «سوف نعيّن الكلب المسعور ماتيس وزيراً لدفاعنا»! هو لم يخترع هذا اللقب للجنرال المتقاعد جيمس ماتيس. تعمّد استعادته ليشير بوضوح إلى طبيعة إدارته التي تكتمل فيها يوماً بعد آخر خريطة الصقور واليمين الشوفيني. وبما أن ماتيس مسعورٌ وفق ما عُرف عنه من علاقته بإدارته السابقة ومشاركته في حربَيْ الخليج وأفغانستان وغيرهما، فلا شك في أن على إيران الاستعداد لكل الاحتمالات ومعها «حزب الله»، لكن ماذا عن سوريا؟

منذ حملته الانتخابية وحتى اليوم، لم يوفر ترامب فرصة إلا وأكد فيها عزمه على إلغاء الاتفاق النووي مع إيران أو إعادة التفاوض بشأنه. وبتعيينه الآن ماتيس، الكاره لإيران على رأس البنتاغون، وبوضعه عدواً آخر لإيران هو مايكل بومبيو على رأس وكالة الاستخبارات CIA والذي قال «إن الاتفاق كارثي وإن إيران أكبر دولة راعية للإرهاب في العالم»، يكون الرئيس الأميركي المنتخب قد اختار للمؤسسة العسكرية فريقاً صدامياً بامتياز. قد نضيف الى هذا الفريق أيضاً مايكل فلين مستشار الأمن القومي والقسم الأكبر من الكونغرس لتكتمل الصورة.

ترافقت هذه التعيينات مع اتجاه في الكونغرس الأميركي لفرض عقوبات جديدة على إيران. ترافقت أيضاً مع تصعيد اللوبي اليهودي المؤيد لإسرائيل، وكذلك من قبل المسؤولين الإسرائيليين للتذكير بأن «إيران هي الخطر الأكبر» على الاستقرار.

ماذا في الاحتمالات؟

] إما أن يمضي ترامب وفريقه بقرار نسف الاتفاق النووي مع إيران، ما يعني الدخول في عدد من الأزمات الأميركية مع روسيا والصين والاتحاد الأوروبي ودول أخرى، ذلك أن الاتفاق تم توقيعه من قبل ٥ دول مع إيران لها مصالح كثيرة معها.

] إما أن لا ينسف الاتفاق وإنما يفرض عقوبات جديدة تتعلّق بصواريخ باليستية وبدعم إيران لجماعات مسلحة في المنطقة، وذلك بغية الحصول على تنازلات من إيران، حينها يصطدم بتيار المحافظين الإيرانيين الذين ربما كانوا مثله ليسوا كبيري الحماسة أصلاً للاتفاق.

] إما أن يحصل تطور أمني مفاجئ في مضيق هرمز أو الخليج أو مناطق أخرى، فتنزلق الأمور سريعاً نحو نوع من المواجهة غير محسوبة النتائج، ناهيك عما يمكن لإسرائيل أن تساهم فيه.

] أو تبقى الأمور في حدود التصريحات والتحذيرات المتبادلة، بانتظار انفراج ما يستند الى مصالح الطرفين، خصوصاً أن إيران تعرف كيف تنتظر مرور الرياح لتستأنف طريق التفاوض الذي خبرته جيداً وتعمل في الوقت نفسه على تعزيز التقارب مع الشركاء الآخرين للتأثير على أميركا.

في جميع الأحوال من الصعب في الوقت الراهن على الأقل انتظار سياسة أميركية حيال إيران مشابهة لتلك التي انتهجها باراك أوباما، لكن من الصعب أكثر انتظار مواجهة بين الطرفين، برغم وجود هذا الاحتمال، ذلك لأن ترامب يعطي الأولوية لضرب الإرهاب فقط في الخارج وتعزيز الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في الداخل وتجنيب البلاد تكاليف باهظة في حروب خارجية.

لا شك في أن إيران أفادت من الاتفاق الايراني مع الغرب، ذلك أنه يرفع عنها العقوبات ويضمن ضخّ أموال واستثمارات في أسواقها ويريح حركتها الدولية ودورها السياسي، لكن مرشد الثورة السيد علي خامنئي الذي أعطى الضوء الأخضر للتفاوض وغطّاه، لم يكن كبير الحماسة له تماماً كالحرس الثوري. لذلك ربما من المهم انتظار الانتخابات الرئاسية الإيرانية في أيار المقبل لمعرفة الوجهة التي ستعتمدها القيادة الايرانية حيال التعامل مع أميركا. هل تنتخب متشدداً ومحافظاً؟

ما علاقة سوريا بالأمر؟

حدد ترامب في حملته الانتخابية ثم بعد انتخابه الخطوط العريضة لسياسته في سوريا. قال «إن المشكلة الكبيرة في سوريا ليست مع الرئيس الأسد؛ وإنه من الجنون والحماقة البحث عن مخرج سياسي لرحيل الأسد في الوقت الذي يقاتل فيه تنظيم داعش». وقال أيضاً «بالنسبة لي، فإن الأسد مسألة ثانوية مقارنة بداعش»، وأكد أنه لا يعرف المعارضة.

يعتقد ترامب، بأن القضاء على الإرهاب وتعزيز الجيش والمؤسسات في سوريا والتعاون مع روسيا كفيل بإنهاء الوجود الإيراني هناك. هذا كان اعتقاد الخليج وإسرائيل أيضاً.

تبدو هذه المطالب وهمية لمن لا يعرف عمق العلاقة الاستراتيجية والعضوية السورية الإيرانية. فما رسمه الرئيس الراحل حافظ الأسد من خطوط تلك العلاقة حافظ عليه الرئيس بشار الأسد مع القيادة الإيرانية لا بل طوّره أكثر مما يظهر.

زار الأسد إيران منذ حرب تموز 2006 وحتى اندلاع الحرب في بلاده في العام 2011، أقلّه أربع مرات. ما سمعه من خامنئي مباشرة أو عبر الرسائل الكثيرة خلال الحرب، أعلنه مبعوث المرشد إلى دمشق سعيد جليلي في صيف 2012 بقوله «إنّ إيران لن تسمح بكسر ضلع سوريا الأساسي في محور المقاومة». لذلك لم توفر إيران دعماً عسكرياً وسياسياً ومالياً إلا وقدّمته لدعم سوريا وقيادتها، ولا تزال.

معلومة مهمة

إن العلاقة الاستراتيجية بين إيران والأسد ليست من النوع القابل للتفكك. مصلحة الطرفين تقتضي الآن وأكثر من أي وقت مضى، أي بعد انتخاب ترامب، أن تستمرّ وتتعزّز، لكن ثمة محاولات تجري لتخفيف الوجود الإيراني في سوريا.

يروي مسؤول أوروبي كبير أنه في أول الاجتماعات التي عُقدت بين الروس والأميركيين للاتفاق على حل سياسي في سوريا، بادر المسؤول الروسي (وليس الأميركي) الى القول «إننا سنبحث مستقبل الحل السياسي ولكن أيضاً مستقبل عملية السلام بين سوريا وإسرائيل». ثمة مَن فهم ذلك على أنه إشارة روسية على أن انتهاء الحرب وتثبيت دعائم الدولة السورية قد يفتحان المجال لتسوية سلمية في الشرق الأوسط وإنهاء المقاومة المسلحة.

والآن مع بواكير الانفتاح المصري على دمشق والذي يعززه استمرار التنافر المصري السعودي وجودة العلاقات بين القاهرة وموسكو، ثمة من يقول أيضا انه لا بد من استعادة الاحتضان العربي لسوريا بغية ابعادها عن إيران. وتفيد معلومات موثوقة عن وصول أكثر من عرض سياسي ومالي عربي سخي جدا الى القيادة السورية في خلال سنوات الحرب لتحقيق هذا الهدف.

يبدو أن كل أصحاب العروض من ترامب الى الدول الأقليمية، لم يستوعبوا تماما اين أصبحت العلاقات السورية الايرانية وما هي خطط دمشق وطهران و«حزب الله» للمرحلة المقبلة. ربما لذلك تسعى إسرائيل إلى خلط الأوراق ودفع ترامب نحو سياسة أخرى في سوريا طالما بقيت صواريخ «حزب الله» تمر عبرها.