Site icon IMLebanon

ترامب يعلن الحرب الاقتصادية على إيران وخامنئي يحيل العقوبات على الشعب قبل النظام

 

بعد إعلانه القدس الموحدة عاصمة نهائية لاسرائيل، وبعد إلغاء إقامة السفير الفلسطيني في واشنطن، وإغلاق الحسابات المصرفية الخاصة بمنظمة التحرير، وبعد خلافه العلني مع رئيس الحكومة الكندية، واستخدامه الجيش لحماية الحدود مع المكسيك، بعد قيام الرئيس الاميركي دونالد ترامب بكل هذه الخطوات السلبية التي وعد بتنفيذها خلال حملته الانتخابية، قرر فرض الدفعة الثانية من العقوبات على ايران.

 

 

وقد أتبع البيت الأبيض قرار الرئيس بإرسال رسائل تحذير الى كل الدول والشركات الأجنبية من دخول الأسواق الاميركية في حال واصلت تعاملها مع شركة النفط الايرانية.

 

وتنوعت تفاسير المحللين حول اختيار الرابع من تشرين الثاني (نوفمبر) موعداً لتنفيذ العقوبات، وما إذا كان هذا التوقيت مرتبطاً بتاريخ معين له دلالاته التاريخية والسياسية.

 

صحيفة «هآرتس» أكدت وجود رابط رمزي يتذكره الايرانيون جيداً عندما قام الشاه في الرابع من تشرين الثاني سنة 1964 بنفي الخميني الى تركيا. وبعد مرور فترة قصيرة، نُقِل الى النجف في العراق. وكان من الطبيعي أن يضعه صدام حسين تحت المراقبة الشديدة. وعلى الرغم من الحصار المضروب حوله، كان أنصاره يسربون رسائله الشفهية الى داخل ايران. وهي رسائل غاضبة تدعو الى إسقاط الشاه واستبداله بنظام الملالي. وقد تُرجِمَت تلك الرسائل الى مظاهرات يومية أخافت الشاه، خصوصاً بعدما أبلغته استخباراته أن عدداً كبيراً من قواته المسلحة بدأ يتسلل الى صفوف المعارضة. وعندما أخبر الاميركيون معتمدهم الرسمي – حارس الخليج – بأنهم تخلوا عن حمايته، اتصل بصدام حسين وطلب منه نفي الخميني الى أي مكان خارج العراق.

 

ولم يستسغ صدام هذا الحل، وأكد للشاه استعداده للتخلص من الخميني مثلما فعل مع محمد باقر الصدر وشقيقته آمنة بنت الهدى، بتهمة الانتماء الى «حزب الدعوة.» ومحمد باقر الصدر هو إبن عم الإمام موسى الصدر ووالد زوجة مقتدى الصدر.

 

وتردد الشاه في قبول الحل الدموي الذي عرضه صدام عليه، مبدياً تخوفه من ردود فعل الشارع الايراني في حال نفذ الرئيس العراقي تهديده.

 

وقبل الإفراج عنه، خيِّر الخميني بانتقاء الجهة الخارجية التي يقصدها. وحدد في جوابه ثلاثة بلدان: الكويت أو الهند أو فرنسا.

 

ولما نقل صدام خيارات الخميني الى الشاه طلب نفيه الى فرنسا لاقتناعه بأن «شخصاً متخلفاً مثله ليس له مكان في اوروبا.»

 

وقد أثبتت الأحداث أن الشاه أخطأ في الموافقة على نفيه الى فرنسا، بحيث أن صالونه السياسي خارج باريس كان يعج بأنصاره وأتباعه. إضافة الى وجود أكثر من خمسين مراسلاً جاؤوا الى فرنسا لتغطية أخباره ونشاطاته. وقد برز خلال تلك المرحلة قطب زادة، أحد تلاميذ الإمام موسى الصدر الذي احتضنه في بيروت مدة طويلة من الزمن. ولكن فريقاً من الجناح اليساري داخل الثورة الايرانية اتهمه بالإنحراف، وأمر بإعدامه!

 

مقابل استعارة واقعة تاريخية استخدمها الرئيس دونالد ترامب لتخويف النظام الايراني، ردّ عليه «الحرس الثوري» بإحياء ذكرى محاصرة السفارة الاميركية في طهران. وكان ذلك في الرابع من تشرين الثاني سنة 1979.

 

وخاطب قائد «الحرس الثوري» محمد علي جعفري أفراد المظاهرة الحاشدة في العاصمة الايرانية، وقال مذكراً: مثلما احتجزنا 52 موظفاً اميركياً، فشلت واشنطن في تحريرهم لمدة 444 يوماً، هكذا سنعامل جنود ترامب في حال قرر الاعتداء على المواقع التي تسيطر عليها بلادنا.

 

صحيح أن الرئيس حسن روحاني انتقد قرار ترامب كونه يعاقب سلفه الرئيس باراك اوباما عن غير وجه حق… ولكن الصحيح أيضاً أن موقف قيادة «الحرس الثوري» يعكس الى حد بعيد سياسة المرشد الأعلى علي خامنئي.

 

والباسدران (أي الحرس الثوري) يمثل داخل ايران ما كان يمثله أعضاء المجلس الأعلى للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفياتي السابق. أي أنها شلة صغيرة ولكنها تملك كل مصادر الحكم، إضافة الى القوى الاقتصادية والسياسية التي تسيطر على مفاصل الدولة. وهي مدعومة من قوة مسلحة إضافية تدعى «الباسيج» – أي الشرطة الإسلامية – ويبلغ عدد أفرادها مئة ألف مقاتل. وإذا دعت الحاجة يرتفع عدد هذه القوات الى مليوني شخص من المتطوعين والاحتياطي. وفي وسع هؤلاء السيطرة على العاصمة في غضون نصف ساعة إذا طرأت أزمة ما. والسبب أن قواعدهم العسكرية تقع على مقربة من كل مداخل طهران.

 

عقب انتهاء الحرب الايرانية – العراقية سنة 1988، امتلك «الحرس الثوري» معدات البناء في «قاعدة خاتم الأنبياء» العسكرية. وأجاز الخميني لهم استخدام معداتها لإنشاء مبانٍ سكنية. وجاء من بعده الرئيس هاشمي رفسنجاني ليسمح لهم بالمشاركة في الأنشطة الاقتصادية، ففازوا بمعظم العقود التجارية. ثم أطاحوا منافسيهم بقوة السلاح، وأسسوا مئات الشركات. ولم تقتصر هذه الشركات على قطاعي الطاقة والاتصالات فقط، بل تشمل تشييد الفنادق الفخمة وشق الطرق وإنشاء السدود وتصنيع السيارات.

 

وبحسب مصادر داخلية، يبلغ عدد الحرس 150 ألف عضو، إضافة الى مئة وعشرين ألفاً يخدمون في القوات البرية والجوية والبحرية. وهناك ثلاث وحدات عسكرية مجهزة بصواريخ بعيدة المدى، يمكن أن توجّه نحو اسرائيل أو القواعد الاميركية في اوروبا والخليج العربي في حال أضرت العقوبات الدولية السلبية في الاقتصاد الايراني.

 

هناك قناعة داخل القيادة المركزية بطهران أن بنيامين نتنياهو هو الذي شجع الرئيس دونالد ترامب على اتخاذ قرار العقوبات الاقتصادية بهدف منع اسرائيل من شن هجمات جوية على قواعد ايران في لبنان وسورية.

 

وعلمت واشنطن أيضاً، من وزير الدفاع افيغدور ليبرمان، أن وزارة الدفاع الاسرائيلية تستعد لشن غارة على مفاعل «بوشهر» شبيهة بالغارة الجوية التي شنتها سنة 1981 على مفاعل اوزاريك العراقي.

 

وهنا تدخلت الادارة الاميركية لتعرب عن مخاوفها من رد فعل ايراني شديد القسوة يمكن أن يترجم باستعمال صواريخ «إس – 300» الموجودة في سورية، أو ترسانة الصواريخ التي يملكها «حزب الله» في لبنان. وهكذا، تم توقيت إعلان العقوبات ضد ايران بغرض إلغاء هجوم جوي يمكن أن تصيب تداعياته المدن الاسرائيلية بالدمار والخراب.

 

وكان قرار ترامب هو البديل لقناعته بأن الوضع الاقتصادي السيئ الذي دمر الاتحاد السوفياتي آخر السبعينات، يمكن توظيفه في ايران من طريق إحداث ثورة ثانية تبث السخط والتململ بين الأوساط الشعبية. ومثل هذا الخيار لن يتحقق إلا بحرمان ايران من مصدر ثروتها المتأتية من إنتاج 3.45 مليون برميل نفط يومياً. وهذا المصدر يجعل من تلك البلاد (82 مليون نسمة) ثالث أكبر دولة منتجة للنفط الخام في منظمة البلدان المصدرة للطاقة «أوبك.»

 

بقي السؤال المهم: هل يمكن للعقوبات أن تبدل نهج النظام الايراني الذي أوكل الى رجال الدين مسؤولية الحكم؟ وهذا أول نظام من نوعه عرفه العالم بعد محاكم التفتيش في اسبانيا.

 

أول تعليق جاء على لسان الرئيس التركي رجب طيب اردوغان برفض الالتزام بالعقوبات الاميركية على ايران، علماً أن القرار يستثني تركيا وسبع دول أخرى بينها الهند والصين.

 

في الوقت ذاته نشأ في الادارة الاميركية خلاف بين مستشار الأمن القومي جون بولتون ووزير الخارجية مايك بومبيو. ذلك أن الأول يطالب بفرض عقوبات مشددة باستثناء استيراد الغذاء والدواء… والثاني يؤيد التخفيف في حجم تصدير النفط لمنع المسّ بدول صديقة لواشنطن بسبب الزيادة المتوقعة في أسعار الوقود. أما وزير المالية ستيفن منوتشن فقد اقترح السماح لايران بشراء المنتوجات الأساسية التي يحتاجها الشعب. كل هذا لإبراز المبدأ الذي يقول بأن العقوبات موجهة ضد النظام وليس ضد الشعب!

 

وبسبب تعدد مؤسسات السلطة التي أنشأها علي خامنئي، لم يعد بالمستطاع المسّ بالنظام من دون تعريض الشعب لعواقب العقوبات!

 

* كاتب وصحافي لبناني.