لم يسبق لرئيس أميركي، أو غير أميركي، ان واجه كل هذا السيل من المعارضة والانتقادات والعداء والسخرية، داخل الولايات المتحدة وخارجها، مثلما واجه دونالد ترامب في الأيام العشرة الأولى له في الحكم. لكن يبدو ان الرجل لا يبالي كثيراً بآراء منتقديه ويصر على المضي قدماً في اجراءاته التي تعكس شخصيته، وخصوصاً اعجابه بزعيمين آخرين سبقاه الى تجاوز المألوف وشخصنة الحكم في بلديهما هما بوتين وأردوغان.
وكانت قرارات ترامب وإجراءاته الانقلابية دفعت بوسائل اعلام اميركية رصينة الى الاستعانة بآراء محللين نفسيين مرموقين لتشخيص «مرض» الرئيس وخطورته، فتراوحت بين وصفه بـ «الجنون» و «النرجسية» و «السادية» و «الانفصال عن الواقع» و «جنون العظمة» و «معاداة المجتمع»، بسبب اصراره على تنفيذ وعود مبالغ فيها اطلقها خلال الانتخابات، وكان يُظن ان غرضها تعبئة مؤيديه اكثر من كونها سياسات يمكن ان تعتمدها كبرى دول العالم.
وإذا كان في تصرفات الرئيس الأميركي وأسلوبه في الكلام وتغريداته ما يبرر نسبتها الى شطط في السلوك الشخصي، الا ان قراراته المتعلقة بالإدارة والمهاجرين والتجارة الخارجية والعلاقات مع الشركات والدول لا تخرج عن خط ناظم يمتد من بداية حملته الانتخابية، ويتلخص في انه يريد ان يطبع الرئاسة في عهده بطابعه الشخصي جداً، وأن يكون «الاستبداد في الرأي» اسلوب حكم وإدارة، طالما ان تجارب معاصرة مماثلة نجحت وأثبتت قدرتها على الاستمرار.
ولو اخذنا قراراته بالتفصيل، لوجدنا انه يقلد «مثاليه» الروسي والتركي، ويخاطب، على غرارهما، شعبوية لا تفتقدها الولايات المتحدة. وإذا كان كل من بوتين وأردوغان نجح في تطويع المؤسسة الحاكمة وإخضاعها لشخصه ومزاجه، فلماذا لا يستطيع هو؟
إذ لا يختلف كثيراً قرار ترامب بمنع دخول السوريين والمهاجرين من ست دول اخرى ذات غالبية مسلمة، بما هو تصرفٌ تعسفي بمصائر مجموعات بشرية وتمييز ديني وقومي في حقها، عما فعله بوتين عندما دخلت قواته جورجيا وفصلت اقليمين منها، ثم اوكرانيا وضم شبه جزيرة القرم الى روسيا، او عما فعله اردوغان عندما دفع قواته عبر الحدود السورية ليحد من طموحات الأكراد القومية.
اما إقصاء ترامب وزيرة العدل بالوكالة والمسؤول بالوكالة عن إدارة الهجرة والجمارك لرفضهما او تهاونهما في تطبيق أوامره التنفيذية، فاستنساخ لسلوك بوتين وأردوغان اللذين يستبدلان بين ليلة وضحاها اي مسؤول لا يلتزم حرفية قراراتهما. ويندرج في الإطار نفسه، ما يحصل في وزارة الخارجية الأميركية حيث وقع مئات العاملين عريضة احتجاج على قرار حظر دخول اللاجئين، فكان رد البيت الأبيض ان «عليهم التزام برنامج الرئيس او الرحيل». وكان الرئيس التركي استغل محاولة انقلابية غامضة لإجراء تطهير طاول عشرات آلاف الموظفين الحكوميين في مختلف الإدارات، وخصوصاً في القضاء.
وينطبق نموذجا موسكو وأنقرة على اصرار الرئيس الأميركي على بناء جدار عند الحدود مع المكسيك. فقد سبقه أردوغان الى إقامة شريط عازل لفصل اكراد جنوب شرقي تركيا عن اكراد سورية، وسبقه بوتين في تحويل الشرق الأوكراني منطقة عازلة بين الحلف الأطلسي وروسيا.
أما الحرب التي يشنها ترامب على وسائل الإعلام الأميركية واتهامها بمجافاة الحقيقة والافتراء لأنها انتقدت سياساته وتجرأت على مخالفة تقديراته لعدد المحتفين بتنصيبه، واعتبار كبير مستشاريه الإستراتيجيين ستيف بانون ان «وسائل الإعلام هي حزب المعارضة وعليها ان تبقي فمها مغلقاً وتستمع»، فتشكل تقليداً لا يرقى اليه الشك لأسلوب بوتين المتهم باغتيال الصحافيين والمعارضين، ولأسلوب اردوغان الذي يقبع في سجونه اكبر عدد من الصحافيين في العالم.
وتتطابق مواقف الرؤساء الثلاثة ايضاً في العداء للاتحاد الأوروبي. اذ اشاد ترامب بخروج بريطانيا منه، وحشد بوتين صواريخه عند حدوده الشرقية، فيما يهدد اردوغان بإغراقه باللاجئين.
كيف سيتعامل الأميركيون مع «الإمبراطور» الساعي إلى صلاحيات مطلقة؟ دورية «فورين بوليسي» الأميركية نشرت مقالاً عدّدت فيه ثلاث طرق للتخلص من ترامب قبل انتهاء ولايته في 2021، وتساءلت «هل نحن فعلاً عالقون مع هذا الرجل؟». لكن «التخلص» من رئيس منتخب يبقى حتى الآن في خانة التمني.