Site icon IMLebanon

«منحة ترامب»: مليارات لتركيا والأردن.. وللبنان الفُتات؟

 

 

كان متوقّعاً أن لا يمرَّ كلام الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن توطين النازحين السوريين في الأماكن الأقرب إلى بلادهم والتي يسمّيها، وهي لبنان والأردن وتركيا، من دون ردود فعلٍ معترضة عليه لبنانياً وأردنياً وتركيّاً، ولكنّه مرّ حتّى الآن «مرورَ الكرام» على نحوٍ أوحى وكأنّ سكوتَ الدولِ المعنية عنه «علامة الرضى».

في لبنان لم يكن من ردٍّ على ترامب إلّا توصية اتّخذها مجلس النواب في جلسته التشريعية التي دامت يومين وانتهت أمس، تؤكّد ما تضمّنته مقدمة الدستور لجهة رفضِ التوطين وغير القابلة للتعديل، وهي توصية جاءَت مشفوعةً بكلام لرئيس المجلس نبيه بري قال فيه «إنّ أهمّيتها تكمن في تشدّدِ المجلس عليها وصدورها «في وجود رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في نيويورك».

وكذلك جاءت مشفوعةً بكلام لرئيس الحكومة سعد الحريري قلّلَ فيه من وقعِ موقف ترامب واعتبرَه «موقفاً سياسياً لا يُجبر أحداً على العمل به ولا يلزمنا»، مشيراً الى «أن ليس هناك قرار دولي بتوطين النازحين». وفي هذه الاثناء لم يُعرف بعد ما إذا كان عون سيردّ على كلام ترامب في كلمته اليوم امام الجمعية العمومية للامم المتحدة، أم أنه سيكتفي بتوصية المجلس النيابي وكلام الحريري المرافق لها.

ولعلّ ما لفتَ المراقبين انّ قوى سياسية ومرجعيات دينية لطالما حذّرت من توطين النازحين عندما طرِح في مناسبات كثيرة ومن على منصّات دولية عدة، لم يصدر عنها ايّ ردّ فِعل معترض بعد، وأكثر من ذلك ظلّت البطريركية المارونية صامتة على الرغم من انّ البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي كان ينادي منذ أكثر من شهرين بضرورة إيجاد حلّ للنازحين عبر اعتماد كلّ الوسائل المتاحة بما فيها التواصل مع الجانب السوري لهذه الغاية في حال عجزَت الحكومة اللبنانية عبر الامم المتحدة عن إيجاد حلّ لهؤلاء النازحين.

على انّ الاحزاب المسيحية الاساسية مِثل «القوات اللبنانية» و»الكتائب» و»الاحرار» التزَمت الصمت هي الأُخرى على رغمِ تاريخِها الحافل في التصدّي لمشاريع توطين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.

أمّا «حزب الله» الذي التزَم الصمت ايضاً على كلام ترامب الذي وصَفه بأنه «حزب إرهابي» فيُنتظر ان يكون له موقف في اوّل اجتماع لكتلته النيابية «الوفاء للمقاومة»، أو ربّما يصدر هذا الموقف عبر أمينه العام السيّد حسن نصرالله خلال إطلالاته العاشورائية التي تبدأ اليوم.

لكنّ الصمتَ الاردني والتركي يَستبطن، في رأي مراقبين، رغبةً لدى عمان وأنقرة في الاستمرار باجتذاب الدعم المالي تحت عنوان تغطية أعباء النزوح السوري لديهما، علماً أنّ عدد النازحين السوريين في هذين البلدين معاً ما زال دون العدد الذي يستضيفه لبنان، ويَعتقد كثيرون انّه يتجاوز المليوني نازح حسب احصاءات غير رسمية، علماً انّ هذين البلدين نالا منذ بداية «عصر النزوح»، إذا جاز التعبير، مليارات الدولارات من الدول المانحة وغير المانحة، فيما حصَل لبنان على عشرات الملايين فقط «وبعد ألف تربيح جميل» من تلك الدول التي لم تفِ حتى الآن بكلّ ما التزمت به في مؤتمراتها التي تناولت أزمة النزوح.

ولذلك فإنّ الاردنيين والاتراك، سيتسفتيدون من «منحة» ترامب الجديدة، التي تتمثّل بدعوته الى توطين النازحين في الأماكن الأقرب الى بلادهم الى حين توافرِ ظروف عودتهم اليها، بمليارات جديدة من الدولارات، فيما كلّ المؤشرات تدل الى انّ هذه العودة ما تزال بعيدة طالما انّ النظام والمعارضة لم يتوصّلا بعد الى اتفاق على حلّ سياسي للأزمة في اجتماعات «أستانا» وجنيف المتعددة، ما يَعني انّ عمان وانقرة سيَستغلّان استمرار وجود النازحين للحصول على مزيد من الدعم المالي الدولي بذريعة مواجهة عبء النزوح عليهما.

على انّ كثيرين يتخوّفون من انّ لبنان في حال قبوله أيَّ صيغةٍ لبقاء النازحين السوريين على اراضيه مقابل تلقّيه بعضَ «الفُتات» من المساعدات المالية الجديدة لهذه الغاية، قد يَجعله لاحقاً غيرَ قادر على القيام بأيّ خطوة لإعادتهم الى بلادهم، خصوصاً أنّ الموقف الاممي والدولي متذبذِب في هذا الصَدد وسابق لموقف ترامب «التوطيني»، خصوصاً إذا انبرَت شرائح كبيرة من هؤلاء النازحين الى التذرّع بأنّها تُعارض النظام وبالتالي لا يمكنها العودة الى كنفِه لئلّا تتعرّض للاعتقال والتعسّف، وهذه الشرائح ستضمّ في الغالب جميعَ النازحين الذين باتت لديهم مصالح وأعمال في لبنان قد لا يتوافر لهم مثيلاً لها في بلادهم التي لا بدّ انّها ستكون في حاجة إليهم بقوّة عندما تنطلق الورش لإعادة إعمار ما دمّرته الحرب فيها.

وإذا حصَل هذا الامر سيجد لبنان نفسَه امام مشكلة اسمُها «اللاجئون السوريون» الى جانب مشكلة «اللاجئين الفلسطينيين» التي يعاني منها منذ العام 1948 عندما حصلت نكبة فلسطين وحتى الآن.