Site icon IMLebanon

لا علاج لدى ترامب  لما قاده الى الفوز

في كل انتخابات رئاسية أميركية هاجس اسمه مفاجأة أوكتوبر: أن يقع في تشرين الأول حدث دراماتيكي غير عادي يقلب اتجاه المعركة. هذه المرة جاءت المفاجأة الكبيرة يوم الانتخاب في الثامن من تشرين الثاني: فاز المرشح الجمهوري دونالد ترامب خلافا لكل التوقعات واستطلاعات الرأي وكل وسائل الاعلام تقريبا والنخبة والمؤسسة التي دعمت المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون وتصرّفت على أساس ان فوزها مضمون. أكثرمن ذلك، فان الحزب الجمهوري الذي توقع محللون سياسيون موته ورفضت قياداته علنا دعم ترامب حافظ على الأكثرية في مجلسي النواب والشيوخ.

والسؤال هو: كيف استطاع رجل أعمال فظّ سليط اللسان بلا خبرة سياسية ولا خدمة في أية وظيفة رسمية ان يدفع الناخبين الى تفضيله على سيدة أولى وسناتورة ووزيرة خارجية سابقة تمثل النخبة؟ والجواب طبعا أوسع من قول رئيسة الجبهة الوطنية الفرنسية مارين لوبان في حديث نشرته مجلة فورين انيرز وهو ان أي شخص أفضل من هيلاري كلينتون. فهي خاضت المعركة بسلاح الخبرة وقوة المؤسسة والنخبة. وهو خاض المعركة بسلاح الخوف من الهجرة والغضب على المؤسسة الحاكمة والنخبة، والاعتراض على رئاسة باراك أوباما وسياسته، وتزايد اللاثقة بالحكومة والمؤسسات والديمقراطية. لا بل خاضها بصوت البيض في الطبقة الوسطى وما دونها من ضحايا العولمة رافعا شعار الأمركة لا العولمة ومعبّرا عن ظاهرة شعبوية لم تعد عابرة في أميركا وأوروبا.

ومن قرأ دراسة جوستين غيست يستطيع القول ان المفاجأة لم تكن مفاجئة. إذ حسب الدراسة، فان ٦٥% من الأميركيين البيض منفتحون على التصويت لمن يعمل على وقف الهجرة الجماعية، وتخصيص الوظائف الأميركية للعمال الأميركيين، والحفاظ على تراث أميركا المسيحي، ووقف تهديد الاسلام. لكن المفارقة ان ترامب لا يملك حلولا ولا علاجات للأمراض التي لعب على تشخيصها. فهو يفتقر الى برنامج سياسي واقتصادي بالمعنى الحقيقي. وهو بقي في اطار الشعارات بالقول في الوول ستريت جورنال: في أي قضية أساسية تؤثر على هذه البلاد، فان الشعب على حق والنخبة على خطأ.

وكالعادة، فان ترامب أوحى بعد الفوز ان شعارات المعركة صارت وراءه، ودعا الى الانفتاح على الجميع في الداخل وتجاوز الانقسام العميق والى اقامة علاقات بلا عداء مع كل الدول. وكالعادة أيضا، فان المسؤولين الكبار في دول عدة من الذين قالوا في ترامب ما لم يقله مالك في الخمرة، تسابقوا على تهنئته وعرض التعاون معه.

لكن أميركا دخلت، ومعها العالم، في مرحلة يصعب التنبؤ بما يحدث فيها سواء أخذ ترامب بلاده الى الانعزال أو فرضت عليه المؤسسة توسيع الانتشار.