ما زال اعتبار الإجهاض حقاً من حقوق النساء يثير جدلاً كبيراً حول العالم. إنّ دولاً غربية متقدّمة كثيرة تفسح المجال لأي امرأة حامل بإجهاض جنينها بناء على رغبتها وضمن عيادات معترف بنشاطها في قتل الأجنة، لتكرّس بذلك حق المرأة بإنهاء حملها. في المقابل ما زالت دول أخرى تمنع الاجهاض، ومنها لبنان، حيث تلجأ الراغبات بطرح أجنّتهنّ إلى عيادات سرية غير مرخصة تُعرِّض حياة الحامل للخطر.
منذ بضعة أيام ودّعت فرنسا الوجه المدافع عن حق المرأة بالإجهاض، سيمون فايل، عن عمر يناهز 89 عاماً. هي من قادت حملة ناجحة شُرِّعت على أثرها عمليات الإجهاض في بلادها، عام 1975، عندما كانت وزيرة للصحة.
وقد أكدت في خطاب تاريخي أمام مجلس نواب مؤلف من أكثرية ساحقة من الرجال آنذاك، بأنّ المرأة لا تقرر الإجهاض فَرحة، بل تحت وطأة ضغوط اجتماعية واقتصادية ونفسية.
ودعت إلى تشريع الإجهاض بهدف وقف ممارسته غير الشرعية التي تلجأ إليها 300 ألف امرأة سنوياً ضاربات بعرض الحائط القانون الفرنسي المحرّم للإجهاض ومعرّضات خصوبتهنّ وسلامتهنّ النفسية والجسدية للخطر.
لها الإجلال
وتكريماً لمسيرتها ونضالها، أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مأتمها أنّ فايل ستدخل «البانتيون» حيث يرقد أعظم رجال فرنسا ونسائها. وهي حازت لقب المرأة الأكثر إثارة للإعجاب في فرنسا، بحسب استطلاع رأي حديث.
صحيح أنّ فايل كانت أول امرأة تترأس البرلمان الأوروبي وأنّ انجازات كثيرة تُسجَّل لها، إلّا أنّ انتزاعها حق النساء بالإجهاض في فرنسا من أكثر أعمالها المُقدّرة والراسخة في أذهان الفرنسيين. علماً أنّه عام 2015 شهدت فرنسا أكثر من مئتين وثلاثة آلاف حالة إجهاض.
من حول العالم
كما فرنسا هناك دول أخرى اقتنعت غالبية شعوبها بضرورة منح المرأة حق طرح جنينها، على رغم الكثير من أصوات المعارضين التي ما زالت تعلو من فترة لأخرى. ويعرف العالم أيضاً دولاً تتأرجح بين تشريع قتل الأجنة أو منعه، فيما تحسم بلدان أمرها بسجن وتغريم الأم التي تُصدر حكم الإعدام بحق جنينها ومن يساعدها في إنجاز مهمتها من طبيب وممرضين…
الإجهاض مُشرّع في كلّ من فرنسا، ألمانيا، بريطانيا، سويسرا، إيطاليا، النمسا، هولندا، النروج، السويد، بلغاريا، رومانيا، روسيا، كندا، الولايات المتحدة، الهند، الصين… وهو محرّم في كلّ من إيرلندا، بولونيا، قبرص، لبنان، الجزائر، إيران، المغرب… وقد تسمح به بعض هذه البلدان لأسباب صحية وطبية، أي في حال وجود خطر على حياة الأم أو اكتشاف أنّ الجنين يعاني تشوّهاً خلقياً أو مرضاً خطيراً لا يمكن مداواته، أو في حال إثبات أنّ الجنين ثمرة اغتصاب الأم.
هل يقرر المُغتصب مصير طفله؟!
في الولايات المتحدة، تشريع الإجهاض أو منعه لا يرتبط فقط بقرارات اجتماعية وبزيادة حقوق النساء، بل يشكّل مسألة جدلية من الأولويات في البلاد، قد تحدّد هوية رئيس أو رئيسة الجمهورية. إقتراع الأميركيين يتأثر بتشجيع المرشح للإجهاض أو إدانته.
ولطالما عُرف الديمقراطيون بدعمهم لحق المرأة بتقرير ما إذا كانت ستحتفظ بجنينها أو تطرحه، بينما يدعو الجمهوريون إلى كبح الإجهاض والحدّ من انتشاره، خصوصاً بوقف تمويله من قبل السلطات. علماً أنّ الإجهاض مُشرّع في الولايات المتحدة منذ أكثر من 40 عاماً.
خلال السباق الرئاسي الأميركي الأخير الذي أوصَل دونالد ترامب إلى سدّة الحكم، كان هذا الأخير واضحاً. ترامب أكد أنه «يعارض الإجهاض بشدّة، لا بل يدعم إنزال شَكل من أشكال العقاب بالنساء اللواتي يُجهضن بطريقة غير قانونية»، غير أنه عاد وتراجع عن تصريحه، معتبراً أنّ «العقوبة يجب أن تطاوِل الأطبّاء الذين يُجرون عمليات الإجهاض وليس النساء». وفي كلمة خلال مؤتمر لتحالف «الإيمان والحرّية» المسيحي المتشدّد، أوضَح ترامب: «نريد المحافظة على قدسية الحياة وكرامتها».
أمّا المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون، والتي نافست ترامب على الكرسي الرئاسي، فيُعرف عنها أنها من أشرس المدافعين عن حق المرأة بالإجهاض مقارنة بكلّ الرؤساء الأميركيين السابقين. هي تشدّد على أنّ الجنين حتّى قبل ساعات من ولادته لا يملك حقوقاً دستورية، ومنها الحق في الحياة. وقد اتهمت ترامب بإعادة أميركا إلى «حقبة كان فيها الإجهاض غير شرعي، وخيارات النساء والفتيات محدودة وحياتهنّ مهدّدة».
ولكن ها هو ترامب يبدأ بتنفيذ رؤيته وقد خَلت أمامه الساحة بعد فوزه في الانتخابات، فدأب على الاقتصاص من حق النساء بالتقرير بمفردهنّ مصير حياة تنمو في أحشائهنّ.
أقرّت ولاية أركنساس الأميركية قانوناً جديداً سيبدأ تفعيله هذا الشهر، ينصّ: على المرأة الحامل الحصول على إذن من والد الجنين، قبل القيام بعملية الإجهاض. ولكن الصادم فعلاً في القانون أنه يجيز للمغتصب أيضاً حق اتخاذ قرار إجهاض المرأة التي اغتصبها، ما أثار ضجة كبيرة في الولاية. كما يعطي القانون حق القرار لذوي الفتاة الحامل، في حال لم يتجاوز عمرها 18 عاماً. ويثير القانون الجديد حفيظة مؤسسات الحقوق المدنية، حيث طعنت إحداها به.
بالأرقام
على هامش المشادّات العالمية بين تشريع الإجهاض أو منعه بتاتاً أو إرساء عقبات تحدّ من انتشاره، تتحدّث الأرقام. منذ تشريع الإجهاض رسمياً في الولايات المتحدة عام 1973 تمّ طرح أكثر من 60 مليون طفل قبل أن يبصروا النور، بينما تؤكد إحصاءات أنّ الاتحاد الأوروبي بدوره يشهد إجهاضاً إرادياً كلّ 27 ثانية، أي ما يقدّر بـ مليون ومئتي ألف إجهاض في العام.