يتحضَّر الشرق الأوسط لأوّل زيارة خارجية سيقوم بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والذي اختار أن تكون بوابتها من المملكة العربية السعودية.
ما بين انتخاب ترامب رئيساً للولايات المتحدة الاميركية، وزيارته الخارجية الأولى، تعديلات كثيرة في مواقفه وسياسته الخارجية. فالعناوين العريضة التي جاءت صادمة في معظم الاحيان باتت أقلّ إثارة وأكثر واقعية وواكبها خروج العديد من رجال فريق ترامب.
يزور ترامب المنطقة وهو سجّل تحسّناً في وضعه الداخلي بعد مرحلة صعبة وحرجة له. صحيح أنّ معارضيه ما زالوا في وضع هجومي مدعومين خصوصاً من أبرز وسائل الاعلام، لكنّ ترامب نجح أخيراً في تحقيق نقاط اقتصادية ثمينة، وهو ما أظهرته الأرقام الأخيرة حول تدنّي نسبة العاطلين عن العمل بشكل لافت.
وهو يُدشّن رحلاته الخارجية من السعودية التي ستوقّع صفقات أسلحة بعشرات مليارات الدولارات، ما يكفل بضخ المزيد من الاموال في العجلة الاقتصادية الاميركية، اضافة الى تأمين عقود تجارية مربحة لقطاع صناعة الاسلحة، وهو القطاع الذي شكل احد أبرز دعائم فريق إيصال ترامب الى البيت الابيض.
بالتأكيد سيكون للرئيس الاميركي ما يُقدّمه إلى السعودية ودول الخليج في صراعها المفتوح مع ايران، والجرح النازف في اليمن، خصوصاً انّ الانتخابات الرئاسية الايرانية ستكون قد أنجزت، وهو ما سيعيد فتح ابواب الضغط الاميركي في اتجاه ايران بعد فترة من المهادنة فرضتها الانتخابات منعاً لاستثمار ذلك في الحملات الانتخابية لصالح الفريق المتشدد.
وليس الاقتصاد والتوازن مع ايران هما وحدهما عنوانا الزيارة، بل إعادة مدّ الجسور مع العواصم الاسلامية التي تضرّرت بسبب مواقف ترامب الحادة التي مزجت بين التطرف الاسلامي والدول المعتدلة. وتلحظ زيارة السعودية لقاءات مع زعماء دول اسلامية.
ويبقى الملف الاهم وهو المتعلق بالتسوية الفلسطينية – الاسرائيلية والذي سيكون محور زيارة ترامب في محطتها الثانية في اسرائيل.
بعد اللقاء الاول الذي جمع ترامب برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، طلب البيت الابيض من المسؤولين عن الملف الاسرائيلي – الفلسطيني السعي لإنجاز الظروف المطلوبة لتأمين تحقيق التقدم في هذا الملف، على ان يترافق ذلك مع حدٍّ أدنى من الاستقرار المطلوب يسمح بولوج المحاور الصعبة من هذا الملف.
وجاءت الوثيقة الجديدة لحركة «حماس» والتي عملت قطر طوال المرحلة الماضية لإنجازها، عاملاً مساعداً، اضافة الى انها ستحضّر الاجواء لاستعادة علاقة «حماس» بمصر ولا سيما بعدما ابتعدت عن التزامها الرسمي والمعلن بالأخوان المسلمين.
ووضع البعض التدابير التي طاولت مخيم عين الحلوة أخيراً في اطار المشهد الجديد. ومحمود عباس الذي من المفترض ان يلتقي ترامب للمرة الثانية خلال زيارة الاخير للمنطقة، سيجتمع مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في منتجع سوتشي يوم الخميس المقبل.
لكنّ هذه الصورة الوردية لا تختصر كامل المشهد. ذلك انّ الحكومة الاسرائيلية لا تبدو موافقة على الاتجاه الاميركي الضاغط لتحقيق التسوية، وهو ما سيؤدي الى تأجيل اعلان ترامب قرار نقل السفارة الاميركية الى القدس في انتظار حصول تقدّم جدي في ملف التسوية المطروحة.
بنيامين نتنياهو رفض وثيقة حركة «حماس» مبرّراً موقفه بأنها لم تتقدم بأي جديد وأنها تحاول خداع العالم بعبارات خالية من اي مضمون.
وما عزّز موقفه هو الصمت الغربي على وثيقة «حماس». لكن المشكلة لا تكمن هنا فقط. فقطاع غزة الذي يقبع على برميل بارود يعاني انقطاعاً كبيراً في الكهرباء نتيجة توقف السلطة الفلسطينية عن تسديد المستحقات المالية للحكومة الاسرائيلية.
وعباس الذي يسعى لتحقيق التسوية المطلوبة يراقب بارتياب النزاع الدائر لخلافته وهو في الثانية والثمانين من العمر. نزاع ليست بعيدة عنه «حماس» المرهقة في المقابل من ثقل المشكلات السياسية والمالية والاقتصادية لغزة.
لكن قرب غزة، أي في صحراء سيناء، تحضيرات لمواجهات دموية قريبة. فالفصائل المدعومة من الجيش المصري حصلت على تجهيزات عسكرية كبيرة لمحاربة «ولاية سيناء» او فرع «داعش» في صحراء سيناء.
في وقت يدور الحديث على نطاق ضيق عن معارك دامية ستحصل قريباً، يجري التركيز على منع أيّ تواصل ومساعدة من حركة «حماس» لولاية سيناء رغم التداخل الذي كثر الحديث عنه سابقاً والذي استفادت منه حركة «حماس» بسبب الطوق المفروض حول غزة. لذلك سعت واشنطن لإعادة فتح قنوات التواصل بين غزة والقاهرة وقد شكلت الوثيقة عاملاً مساعداً في هذا المجال بمساعدة قطرية.
لكن المخاطر لا تقف فقط في غزة وصحراء سيناء على أهميتها وخطورتها. فالرئيس الاميركي الذي نجح بالإفلات من معارضيه حتى الآن قد يجد نفسه منشغلاً في فضيحة مالية بدأ الهمس حولها وتطاول صهره جاريد كوشنر والذي عيّنه لتولّي مهمة ملف التسوية الفلسطينية – الاسرائيلية.
وفي كواليس واشنطن همسات حول علاقة ملتبسة لكوشنر مع رجل اعمال يهودي يدعى جورج سوروس تصل الى حدود المليار دولار. وسوروس معروف في الاوساط الدولية بأنه وراء ملف انهيارات اقتصادية عدة في العالم أهمّها على الاطلاق ما حصل مع دول النمور الآسيوية في العامين 1997-1998.
وفي حال أدّى تضارب المصالح داخل واشنطن الى تكبيل إدارة ترامب التي تواجه اصلاً معارضة واسعة، فهذا يعني إعادة وضع ملف التسوية الفلسطينية – الاسرائيلية جانباً وهو ما تتمنّاه حكومة نتنياهو والفريق المتشدد الداعم لها.