البيت الأبيض في فوضى. والمشكلة هي الرئيس دونالد ترامب، لا مايكل فلين وراينس بريبنس ودريك هارفي وأنطوني سكاراموتشي الذين دفعوا ثمن أدوارهم في النسخة العصرية من قصة قايين وهابيل. باعتراف سكاراموتشي. فهو يريد أن يحكم أميركا ويدير علاقاتها مع العالم عبر تويتر. وهو يحاول عبثا قتل تحقيق في الكونغرس وآخر يقوم به المحقق الخاص روبرت مولر في دور للمسؤولين الروس في حملته الرئاسية، بحيث أقال مدير مكتب التحقيقات الفيديرالي جيمس كومي، وشنّ حملة على وزير العدل جيف شيستز لأنه أعفى نفسه من الاشراف على التحقيق وبالتالي من التأثير فيه لمصلحة الرئيس وفتح الباب أمامه لطرد المحقق الخاص. والنتيجة حتى الآن حرب على جبهتين: واحدة في الداخل مع الديمقراطيين وكبار الجمهوريين ووسائل الاعلام. وأخرى في الخارج مع قادة عدد كبير من الدول.
وليس هذا وضعا جيدا حتى لخصوم أميركا قبل أصدقائها. فلا الأصدقاء يستطيعون الاطمئنان الى ثبات ما سمعوه من ترامب في البيت الأبيض وخارجه والبناء على التزامات رئيس يفاخر بأن رأسماله هو انه لا يمكن التنبؤ بأقواله وأفعاله. ولا الخصوم يجدون أنفسهم خارج الارتباك، وهم يضعون سياسات بعيدة المدى لمواجهة سياسات ومواقف أميركية متغيرة.
حتى الرئيس فلاديمير بوتين الذي تصور ان ترامب هو الهدية التي جاءته من السماء وربما من قرصنة الشبكة لترتيب الشراكة الروسية – الأميركية على قاعدة التكافؤ، فانه فوجئ بأن ترامب المتحمّس لأفضل العلاقات والصفقات معه عاجز عن تطويع المؤسسة المعادية لروسيا. كذلك الأمر بالنسبة الى الرئيس الصيني شي جيبينغ الذي أتعبته رياضة التزلج السياسي لترامب بين يد الصداقة في يوم وقبضة العقوبات يوما آخر. ولم يكن أمرا مألوفا في العلاقات بين أميركا وألمانيا ان تضطر المستشارة الألمانية انغيلا ميركل للقول لم نعد نستطيع الاتكال على أميركا.
وليس من المتوقع أن يحقق ترامب وعده بصنع تسوية للصراع العربي – الاسرائيلي، ولا أحد يعرف كيف تنتهي وعوده في قمم الرياض. حتى الاجماع في ادارته على ضرب النفوذ الاقليمي لايران، فانه يفتقر الى خطة. ولا شيء يوحي ان لدى ترامب في سوريا سوى السير خلف بوتين.
والمفارقة ان أميركا التي لم تعد تخيف عدوا ولا تطمئن حليفا لا تزال القوة العظمى الأولى. والخصوم والأصدقاء في حاجة اليها، الخصوم لأن مواجهة الامبريالية سلاح مهمّ في حكم الشعوب المحتاجة الى الحرية والتنمية. والأصدقاء لأن شعار أميركا أولا يصيبهم بالخوف من الاضطرار لحل مشاكلهم بأنفسهم من دون الدعم الأميركي.