هل اقترب الأميركيون ومعهم العالم من “ساعة الحقيقة”، التي تعلن إقالة أو استقالة الرئيس دونالد ترامب؟ كل شيء ممكن. لا يوجد مستحيل في نظام ديموقراطي مثل النظام الأميركي. المستحيل الوحيد حصول انقلاب عسكري وإعلان البلاغ رقم واحد.
ريتشارد نيكسون كان رئيساً مهمّاً في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية. ارتكب خطأ فادحاً لينجح في الانتخابات الرئاسية رغم أنه لم يكن مضطرّاً. لكن الشعب لم يتقبّل ما قام به ولا مجلس النواب سامحه، فقضت عليه فضيحة “ووترغيت”. قدّم استقالته حتى لا يخضع للمحاكمة أمام “مجلس الشيوخ”. كان من المؤكد أن يقترع أكثر من الثلثين ضده ومع إدانته. “شرب كأس الحقيقة” واستقال، تاركاً الغرفة البيضاوية في البيت الأبيض لنائبه جيرالد فورد الذي أكمل الفترة الرئاسية، وفشل في الانتخابات الرئاسية، ليفوز أحد أفضل الرؤساء الأميركيين جيمي كارتر.
حالة دونالد ترامب أكثر تعقيداً من حالة نيكسون. لم يعترف ترامب حتى الآن، وربما لن يعترف بوضوح ولا حتى مواربة بأخطائه، فكيف بما هو الأساس: تعامله أو تعاونه أو حتى صمته مع موسكو في مسألة تشويه صورة المرشّحة الديموقراطية هيلاري كلينتون.
لا تقف حالة ترامب المعقّدة أمام مسار الانتخابات الرئاسية. تتضخّم لائحة الخصومة والإدانة معه حول سلوكه اليومي خصوصاً ما يتعلّق منها بعلاقاته خارج الزواج، ومنها ما يجري تداوله حالياً عن وجود ابن غير شرعي له من أميركية سوداء كانت تعمل عنده، علماً أنه ينتمي الى “الحزب الجمهوري” المتعلّق بالقيم العائلية والدينية.
الرئيس بيل كلينتون كادت قضية مونيكا لوينسكي تطيح به رغم أن “لائحة الاتهام” هذه أخفّ بكثير من ترامب.
ترامب محظوظ في جميع الحالات، في التحقيق حول موسكو، لا يريد أحد ضمناً إثبات وجود علاقة خطرة له مع موسكو ومع الرئيس فلاديمير بوتين. مجرّد التفكير بثبوت مثل هذه التهمة، إنتاج كارثة سياسية لا مثيل لها في التاريخ الأميركي. المشكلة الثانية والتي تشكّل مأزقاً لكل “الجمهوريين”، أنّه من غير الوارد ونواب “الحزب الجمهوري” يقفون على أبواب الانتخابات النصفية، معاداة الرئيس وفتح الباب أمام مساءلة خطيرة من حجم فتح مسار إقالة الرئيس. النتيجة الأولى ستكون خسارة كاملة لمجلس الشيوخ وبالتالي خسارة الانتخابات الرئاسية عام 2020 حُكماً. لذلك يتظاهر “الجمهوريون” بأنهم “لا يرون شيئاً”، ولا حتى يعارضون أن تعمد محطة “فوكس نيوز” الواسعة الانتشار، الى حرف أنظار الأميركيين عن الاتهامات الموجهة الى مساعدي ترامب. بدلاً من معالجة ملف مايكل كوهين، ركّزت في تغطيتها على مقتل الشابة البيضاء مولي تييتس. علماً أن المشتبه به الرئيسي، مكسيكي يقيم بطريقة غير قانونية. مثل هذه الجريمة التي تقع يومياً في أميركا تشعب منها: الموقف من هجرة المكسيكيين غير الشرعية التي أراد ترامب وقفها بإقامة جدار فصل عنصري مع المكسيك.
شخص واحد يمسك بمفتاح الإطاحة بترامب الآن هو روبرت مولر الذي يجب لحصول هذا التحوّل أن يقدّم تقريراً فنياً ودقيقاً جداً يبرهن وجود تواطؤ، أو أن يقوم ترامب بعرقلة القضاء. باختصار مطلوب نتائج وليس اتهامات.
كثيرون في العالم يتمنّون الإطاحة بترامب خصوصاً النظام الإيراني، فبرأيه سقوط ترامب يريحه من المواجهة ومن العقوبات. أيضاً الفلسطينيون يتخلّصون من مشروع “صفقة القرن”. وأيضاً فنزويلا وإن كانت لأسباب مختلفة عن الصين مثلاً، وحتى الأوروبيون سيكونون سعداء أو على الأقل سيشعرون بالراحة إذا تخلّصوا من ترامب الذي لا أحد يعرف بالفعل ماذا يريد ولماذا يحارب الجميع ولماذا يفتعل الحروب الاقتصادية.
المأزق الحقيقي وحتى الكبير، أن خليفته الدستوري والأوتوماتيكي هو نائبه مايك تيس، قد يكون أسوأ منه، مع اختلاف في الممارسة لأنه أكثر هدوءاً.
تيس ينتمي الى اليمين الديني ومتطرّف جداً الى درجة أنه “أصولي”. فهو مثلاً لا يجلس وحيداً مع امرأة ومن دون حضور زوجته. بالإجمال هو شخصية غير مثيرة للاهتمام ولا يملك الكاريزما، وغير قادر على الحشد سواء الآن أو عام 2020. لذلك ما لم يقع الاستثناء بالنسبة لترامب، فإن الجمهوريين سيعضّون على “جرحهم” ولا يعرّضون أنفسهم للخطر مع تيس. لذلك لا يمكن واقعياً “الرقص على ضريح ترامب الرئاسي”، سواء من الإيرانيين أو الفلسطينيين أو حتى الأوروبيين. ربما الفائدة الكبرى التي أنتجها ترامب وكما يبدو فإنها تتحوّل الى نهج كامل هو توجّه فرنسي نحو إقامة “هلال تقدّمي” داخل أوروبا بعد أن تسلّل اليمين القومي الى بولندا وحتى إيطاليا.
أبعد من ذلك أن أوروبا، وبتوجّه فرنسي بارز بدأت تشعر أنه حان الوقت لكي تعتمد أوروبا على نفسها بدلاً من الاعتماد على الولايات المتحدة الأميركية أو كما قال الرئيس إيمانويل ماكرون “ضمان أمن أوروبا مسؤوليتنا”.