عند المئوية الاولى لوعد بلفور ، توقف الزمن ، وصدر التزام الرئيس دونالد ترامب بمنح “ما لا يملكه، لمن ليس له” ، اي القدس الى اسرائيل. وحيداً ضد العالم اتخذ ترامب قراره وأعلنه وكأنه يعلن توقيعه على بيع قطعة ارض او ناطحة سحاب كما كان يفعل ويراكم ثروته تحضيراً منه لغزو البيت الابيض .. طبعاً ما كان ترامب الرئيس والتاجر معاً، يُقدم على تقديم القدس لبنيامين نتن ياهو، لو لم يكن العرب في قعر بئر الهزيمة، يرتجفون من القلق بأن يكون هذا القعر ليس النهاية، وإنما المدخل الطبيعي نحو قعر آخر كما كان يقول الاستاذ ميشال ابو جودة.
الرئيس ترامب قفز فوق كل الموانع والمعارضات الدولية قبل الإقليمية، واتخذ قراراً وُصف جدياً بانه “عملية اغتصاب للدبلوماسية كوسيلة لحل النزاعات”، وهو في ذلك أكمل ما بدأه خلال العام الاول من ولايته، من نقض للاتفاقات الدولية ومنها: المناخ والاونيسكو والهيئة الدولية للتجارة وغيرها. وهو تعمّد وضع علم القوات المسلّحة خلفه وهو يبرز توقيعه ليقول ان المؤسسة العسكرية معه او خاضعة له. لكن ترامب وهو يعلن ذلك شطب دور الولايات المتحدة الاميركية كوسيط في الصراع العربي – الاسرائيلي.
دونالد ترامب ليس رئيساً غبياً، ولا الشعب الأميركي شعب غبي حتى يقوم بهذا ويضع بلاده والغرب الآن أو غداً امام جملة اخطار غير محسوبة وغير مسبوقة، لو لم يكن يعرف ترامب الى اي درك من الضعف وصل اليه العالم العربي وانه فعلاً “ظاهرة صوتية” تنتهي احتجاجاته بالمظاهرات والهتافات التي لم يعد من مساحة للمزايدة عليها. المهم بالنسبة لترامب انه غطى مؤقتاً مواجهاته مع المحققين التي قد تنتهي بالخروج من البيت الابيض، وفي الوقت نفسه منح شريكه بنيامين نتن ياهو قوة دفع ضخمة لمواجهة الملاحقات القضائية له ولزوجته بكل ما يتعلق بفساده المالي الضخم .
ولا شك ان الشعب الفلسطيني “الضحية الابدية” سيدفع الثمن من ارواح شبابه، ثم يتم تطويقه من قيادات لا حول ولا قوة لها، الى درجة ان محمد دحلان المزاحم على وراثة محمود عباس والذي تفنن في التعاون الأمني مع اسرائيل، يدعو الى “وقف التعاون الأمني مع اسرائيل واميركا”. ربما تلجأ “منظمة الجهاد” لتغطية عجز ايران وتلحقها في ذلك مزايدة من حركة “حماس” في القيام بعملية أو أكثر تكون كلفتها من دماء الشعب الفلسطيني الجريح اكبر بكثير من نتائجها على اسرائيل.
أبعد من هذا العجز العربي البشع والمؤلم، سقوط مزايدات الولي الفقيه وجنرالاته، وعلى رأسهم الجنرال محمد علي جعفري الذي طلب من ضباطه “التحضير لحرب مع دولة عربية”، بعد ان طمأنهم بان تدمير اسرائيل لن يأخذ منهم سوى سبع دقائق. وكذلك الجنرال قاسم سليماني “بطل الانتصارين” كما اطلق عليه في ايران بعد معارك سوريا والعراق، والذي لا يتوقف عن التنقل في الدولتين وكأنه في طهران. الولي الفقيه آية الله علي خامنئي اكتفى في التعليق على قرار ترامب :”ان فلسطين الحبيبة ستتحرر بالتأكيد والعالم الاسلامي سيصمد امام هذه المؤامرة”. اما الرئيس روحاني فقد دعا “كل الدول الاسلامية متحدة الى اتخاذ اجراء سريع ضد القرار الخاطئ ووو..”، وكأنه لا يعلم ان تدخل بلاده ايران قد حفر خندقاً مليئاً بالأحقاد المذهبية وملوثاً بدماء شعوب المنطقة لن يمكن ردمه لعقود طويلة.
يبقى، وهو مهم رغم انه قد لا يكون معقولاً ولا حتى مقبولاً، القول “ان خبراء في اسرائيل بينهم مجموعة عمل تضم ٢٥ أكاديمياً وسفيراً سابقاً يَرَوْن انه رغم ان القرار الترامبي سيعمق عدم التوازن وسيضر بفرص السلام، الا ان الملاحظ ان ترامب ترك ضمناً الباب مفتوحاً لمبادرة لاحقة تضطر اسرائيل فيها إلى القبول بها بعد ان أخذت كثيراً لانه لم يحدد في إعلانه اي قدس هي العاصمة، وما هي حدودها كما لم يشر الى حدود اسرائيل”.
كل شيء يعتمد الآن على الخطوة التالية للرئيس ترامب. اما الآخرون فلينتظروا “القطار” لانه، وهنا الخطر المكمل، قد تكون “المحطة” النهائية له عقد اتفاق سلام واعترافاً بإسرائيل لن يكون احد خارجه بمن فيهم الجمهورية الاسلامية في ايران..