Site icon IMLebanon

ترامب لم يعد موضوعاً للسياسة

يتراجع الكلام السياسيّ عن دونالد ترامب في الولايات المتّحدة الأميركيّة. لم يعد مهمّاً نقاش آرائه وأفكاره وتوجّهاته إلاّ في حدود دلالتها على شخصه الكريم. تتقدّم، بدلاً من ذلك، قواميس أخرى قد يكون أبرزها قاموس الأمراض الباثولوجيّة: نرجسيّ، مرضيّ، معتلّ،… ريتشارد فريدمان، مثلاً، وضع لمقالته الأخيرة في «نيويورك تايمز» عنواناً دالاً: «هل آن الأوان كي نسمّي ترامب مريضاً عقليّاً؟».

تترتّب على هذا الاهتمام المستجدّ اهتمامات من طينة مشابهة:

– «الفضيحة»، أو «علم الفضيحة»، ممّا يزاوله ترامب بإيقاع يوميّ. هذا ما بات الانشغال به يحتلّ حيّزاً أكبر ويستغرق جهداً أضخم.

– استرجاع شروط النهوض والانحطاط في تاريخ الأمم والشعوب، صار عنواناً يتكرّر على نحو ملحوظ.

– التذكير يتزايد أيضاً بحكّام مجانين وذُهانيّين عرفهم التاريخ، ولم يُشفَ منهم الواقع الراهن (على ما يدلّنا مثلاً الزعيم الكوريّ الشماليّ كيم جونغ أون).

– وفي المتابعة الحاليّة لترامب تحضر «اللغة» من حيث هي فقر مدهش في المصطلحات كما في الصياغات، وبوصفها أيضاً «نصوصاً» في الكذب تطاردها تقنيّات التدقيق والتصويب. ومع اللغة، وبما يشبه كتب تعليم الأطفال، يبرز الاهتمام بالخلفيّة النفسيّة للمتكلّم ولعثرات الكلام وإخفاقاته.

– وبالطبع، تنكبّ أعداد متزايدة على التبحّر في الدساتير والقوانين للإجابة عن سؤال محدّد: كيف تُستكمل شروط عزله وإقالته، وما هي القوى المطلوبة لإنجاز مهمّة كهذه؟

– وتتّسع، في المبادرات الفنّيّة، مساحة الكوميديا التي تنتجها السخرية من اقتران الأنا المتضخّمة بالسلطة.

وقد يكون مبكراً الجزم في انعكاس هذه التجربة الجديدة على تطوير بعض العلوم والمعارف والفنون والتقنيّات. لكنّ المؤكّد أنّ دونالد ترامب لن يمرّ على أميركا، وعلى العالم تالياً، من دون إغناء المكتبات والمختبرات والمسارح. الشيء المؤكّد الآخر أنّ حيويّة المجتمع الأميركيّ لا بدّ أن تصنع شيئاً إيجابيّاً من هذين البؤس والمرارة. وهذه الحيويّة إنّما يعلنها كلّ يوم القضاة والإعلاميّون والفنّانون والسينمائيّون والكتّاب والنسويّون ودعاة التعدّد الدينيّ والثقافيّ، الإثنيّ والجنسيّ… كما تعلنها المؤسّسات، مؤسّسات هؤلاء ومؤسّسات سواهم. هؤلاء بات يرتفع شعورهم بالذنب إلى سويّة الشعور بالعار، والشعوران يدفعانهم، لا إلى اليأس والقنوط، بل إلى المبادرة والإقدام على نحو لا بدّ أن تظهر ثماره ويحين قطافها.

لكنْ لأنّ أمور دونالد ترامب تزداد خروجاً عن السياسة، مثلما يزداد طرد السياسة لها، سيكون من العبث، ومن إضاعة الوقت والجهد، أن يُراهَن عليه في السياسة. وأغلب الظنّ أنّنا في الغد، حين نقرأ تاريخ الترامبيّة، سنقرأ الكثير عن الغضب والإحباط، وعن الألم والجنون، وعن هشاشة الحضارة ومتاعب التقدّم، لكنّنا، في الهوامش فحسب، سنجد شيئاً نقرأه عن سياسات السيّد الرئيس.