العالم كله، يتابع رغم حرّ الصيف وعطلاته، هذا «اللعب» بين الرئيس دونالد ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ – أون على وقع أزرار الصدام النووي، وفي الوقت نفسه على وقع حرب إقليمية شاملة بين الرئيس الأميركي والمرشد الإيراني آية الله علي خامنئي. ما يجري يُشكّل لعبة خطرة جداً، لأن أي حركة غير مدروسة، تنتج نهاية لا يمكن حساب خسائرها النهائية، لأن معالمها مرسومة انطلاقاً مما جرى في هيروشيما، أو ما وقع في العراق.
رغم كل هذا التصعيد حتى ولو كان خطابياً، يُطرح سؤال كبير وهو: الى أين يمكن أن يصل هذا كله وما هي نهايته ونتاجه؟
الزعماء الثلاثة يتشابهون رغم تباعدهم. ترامب يدير منذ دخوله البيت الأبيض قبل ثمانية أشهر تقريباً السياسة الأميركية وكأنّه يدير فندقاً من فنادقه، وليس العالم. يريد أن يفرض على الآخرين ما يريده في زمن لم تعد فيه الولايات المتحدة الأميركية منذ السياسة «الأوبامية» نفسها، تخيف أحداً، خصوصاً مثل جونغ – أون، لأن ليس أمامه الكثير ليخسره غير حياة عشرات عدّة من الملايين
من الشعب الكوري الشمالي المسكين. في حين أن ترامب سيخسر أكثر بكثير ولن يرحمه الشعب الأميركي الذي لم يتحمل كارثة «بيرل هاربر» المحدودة فكيف بنهاية جزيرة غوام وربما ولاية من الولايات.
أما بالنسبة الى المرشد خامنئي، فإنّ ترامب يبدو مفيداً أكثر. فهو غير قادر على إلغاء الاتفاق النووي المُعلن والسرّي منه، الذي لا يريد الطرفان الأميركي والإيراني معاً كشف بنوده، التي قد تكون في صلب المعطيات الاستراتيجية القائمة. المرشد خامنئي يلعب كما يُقال «صولد». ليس لديه الكثير ليخسره، لقد ربح كثيراً في تنفيذ سياسة التمدد الإقليمي التي أُطلق عليها «الهلال الشيعي»، والتي أصبحت، مع النجاحات، «البدر الإيراني». أي تراجع منه تحت الضغط لن يكون من «كيسه» فهو لعب من الخارج ولم يخسر سوى مئات عدة من الإيرانيين وآلاف عدّة من الشيعة الذين لا يهمّه الكثير منهم سوى «حزب الله»، الذي جرى بناؤه في مطلع الثمانينات لتحرير جنوب لبنان وتحول مع الوقت الى نموذج متكامل عسكرياً وإيديولوجياً ودينياً، وهو كما أثبتت وتثبت التطورات أخطر وأصلب، لأنّه إذا كان الكوبيون قد ضحوا لبناء عالم جديد، يكون بداية لـ«الجنة» الاشتراكية، فإنّ المقاتلين الشيعة يقاتلون وهم «ضامنون دخول الجنة في الآخرة»، وهو وعد لا يمكن مقاومته عند المؤمنين – المؤدلجين.
كيم جونغ – أون، يتحرك تحت متابعة وإشراف «التنين الصيني» وملاحقة «الدب» الروسي. حتى الآن، حرب «أون» مكلفة خطابياً ولكن واقعياً تحت وقع الخطر يمكن الحصول على تنازلات أميركية صغيرة ولكنها كبيرة بالنسبة لـ«أون» وثمينة سياسياً بالنسبة للتنّين الصيني. رفع بعض العقوبات وتسهيل حياة الكوريين الشماليين يجعل من أون زعيماً وطنياً، فهو بنى قوة نووية قادر معها على مقارعة واشنطن، وأخذ تنازلات يستحقها الشعب الكوري الشمالي.
أما المرشد آية الله علي خامنئي، فإن لعبته على مستوى إقليم الشرق الأوسط تبدو حساسة ومكلفة. الشعب الإيراني يريد أكثر بكثير من الشعب الكوري الشمالي. ولا يمكن ببساطة أن يطلب المرشد مهما بلغ الشعور القومي الإيراني درجة عالية من الأهمية من الشعب الإيراني أن يقدّم تنازلات تمسّ حياته أكثر ممّا قدّم حتى الآن. وإذا كان «أون» يلعب على «الأزرار النووية»، فإن خامنئي يلعب على الأزرار الصاروخية من جهة والتدخل الخارجي من جهة أخرى. الى جانب ذلك فإن كيم جونغ-أون لا يعاني من أي معارضة سوى أنه تحت رقابة «التنين الصيني»، أمّا خامنئي فإنه يواجه معارضة داخلية متصاعدة مهما كانت مكتومة الصوت.
من الواضح أن خامنئي يعتبر أن «الحرس الثوري» حقق له كل طموحاته، ولذلك يحميه ويغذيه لينمّي نفوذه. الجنرال قاسم سليماني جعله حاضراً من دمشق حتى صنعاء، لذلك كل ما يطلبه سليماني يُنفّذ بأمر من خامنئي مباشرة. في تاريخ غير محدد التقى الجنرال سليماني الرئيس حسن روحاني، وطلب منه زيادة ميزانية «الحرس» وخصوصاً «فيلق القدس». روحاني رفض الطلب بلباقة مقدّماً عرضاً واسعاً للوضع الاقتصادي الحالي وخصوصاً الميزانية. الجنرال قائد الفيلق «القدس» ذهب الى المرشد خامنئي واشتكى من تضييق روحاني مالياً عليه. النتيجة أنّه قبل أن يحصل روحاني على الثقة في «مجلس الشورى»، أصدر هذا المجلس تكليفاً للحكومة التي ستأخذ الثقة منه برفع ميزانية «فيلق القدس» بثلاثمائة مليون دولار على وقع «الموت لأميركا». في الواقع ستجري مقايضة الثقة بترضية الجنرال سليماني.
طبعاً هذه رسالة «خامنئية» الى ترامب وليست فقط لروحاني. الرسالة الثانية، أطلقها الجنرال أمير حاتمي المرشح ليكون وزيراً للدفاع، إذ أمر وهو قائد الجيش بتشكيل عشرة ألوية مناصفة بين الجيش و«الحرس»، «للمواجهة ومحاربة الإرهابيين». خلاصة «الرسالة»: «سنرفع منسوب تدخّلنا في الخارج خصوصاً في سوريا والعراق». العميد باكبور قائد القوات البرية في الحرس شرح ذلك فأكد «لقد اتسعت ميادين جهادنا ودفاعنا عن حدودنا إلى الخارج».
الخطر في الشرق الأوسط أكبر بكثير من منطقة التنّين الصيني. لأنّ «التنّين» عاقل وقادر على ضبط إيقاع «أون»، أما في الشرق الأوسط، فإنّ المرشد يعتبر أنّه قادر على التصعيد العسكري والسياسي، حتى يأخذ ما يطمح إليه، خصوصاً أن مقاومة طموحه في إقامة «البدر الإيراني»، تزداد إقليمياً ضعفاً، والسياسة الترامبية مجرّد قرع «للطبول من دون جنود».
ما لم تقم استراتيجية دولية – عربية ناشطة وفاعلة ومؤثّرة حقيقية حيث يأخذ الجميع حقوقاً متساوية في الوجود، فإنّ مشروع الامبراطورية «الخامنئية» يتقدم..