IMLebanon

ترامب وكوشنير واحتقار التاريخ

 

حتى الإعلام الإسرائيلي اليميني والوسطي شكّك بصفقة القرن.

 

صحيفة “جيروزاليم بوست” اعتبرت أن الدولة الفلسطينية المزعومة في خطة دونالد ترامب “ستكون دولة داخل دولة إسرائيل التي سوف تسيطر عليها بشكل أساسي”. والقناة 13 الإسرائيلية رأت فيها صفقة بين ترامب وبنيامين نتنياهو. ويمكن الاستدلال بالكثير من الأوصاف في الإعلام الإسرائيلي للاستنتاج أن كثراً من الإسرائيليين غير مقتنعين بخطة صهر الرئيس الأميركي ومستشاره الأول جاريد كوشنير، التي صاغها بالتنسيق مع نتنياهو نظراً إلى قربه منه منذ صغره. فنتنياهو سبق أن حل قبل سنوات ضيفا على عائلة كوشنير ونام في سرير الأخير، لأن العائلة أباً عن جد ركن من أركان اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة وتقدم التبرعات للدولة العبرية.

 

حتى رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق الذي خاض مع أبو عمار العام 2000 مفاوضات كامب ديفيد الشهيرة بضيافة الرئيس بيل كلينتون آنذاك، اعتبر تعليقاً على ما أعلنه ترامب ونتنياهو في واشنطن الثلثاء، أن “سياسات نتنياهو تقوم على محاولة إفشال الخطة الأميركية عبر تحميل الفلسطينيين فشلها”. فباراك نفسه خبِر ما يقبل به الفلسطينيون وما لا يقبلون. كان كلينتون ينوي قبل انتهاء ولايته استكمال الاتفاق على الوضع النهائي وفق جدول اتفاقات أوسلو (1993). في حينها قدم باراك انسحاباً من 90 في المئة من الضفة الغربية. فشلت المفاوضات عند نقطة إصرار باراك وبدعم من كلينتون، على ما سمي “سيادة رعاية دينية” على الحرم الشريف (الذي تحته المعبد اليهودي) في القدس التي قسمت بين سيادة فلسطينية وسيادة إسرائيلية. لكن أبو عمار رفض وبعد ليالٍ من البحث قال لكلينتون حين ألح وسأله عن سبب رفضه السيادة المحدودة على القدس: “إذا قبلت فما أن تطأ قدماي فلسطين سأقتل”. بينما ما “منحه” ترامب لإسرائيل قبل 3 أيام هو السيادة الكاملة مع “حق” المسلمين والمسيحيين بالمجيء إلى القدس للصلاة والزيارة، وأعطى الفلسطينيين قرابة 30 في المئة من الضفة.

 

في ترويجه لخطته أشاد كوشنير في مقابلته مع “سي.إن.إن” ليل الثلثاء بإقدام عمه على “إنجاز كبير” يحفظ أمن إسرائيل. لم يجد حرجاً في إعطاء حجة للكثير من المعلقين الأميركيين والإسرائيليين كي يصفوا ما قام به ترامب بأنه للحصول على أصوات اليهود الأميركيين والمسيحيين الإنجيليين المؤمنين بسيطرة اليهود على كافة فلسطين. حتى آرون ميلر الذي كان مساعداً لروس في المفاوضات العربية الإسرائيلية في التسعينات، وفي كامب ديفيد، رأى أن ما جرى عرضه ليس خطة سلام، بل خطوة سياسية من قبل الإدارة، قاصداً بذلك أنها موجهة للداخل الأميركي في وقت يتعرض ترامب للمساءلة لعزله في الكونغرس.

 

لا يؤمن كوشنير بالتاريخ. فحين ذكّرته المحطة بالمطالبة العربية والفلسطينية بالدولة الفلسطينية على الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967، قال إنه لا ينظر إلى ذلك الزمن، بل إلى 2020 . احتقار التاريخ الذي قامت عليه كل الدعاية الصهيونية ومؤيديها في أميركا والغرب، يسهّل على جاريد كوشنير أن يتلاعب بالوقائع. قال إن الخريطة التي قدمها هي الوحيدة التي عرضت خلافاً لكل المفاوضات السابقة، بينما محادثات كامب ديفيد بُنيت على خرائط، هذا فضلاً عن خرائط اتفاق أوسلو لمناطق المرحلة الانتقالية… وعلى رغم ذلك وصف كوشنير الخريطة العجيبة التي قدمها للدولة الفلسطينية المفترضة بـ”خريطة مفاهيم”.

 

يروي قيادي فلسطيني أنه في أحد لقاءات كوشنير مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس تحدث الأخير عن “إنهاء الاحتلال الإسرائيلي” فقاطعه قائلاً: أستستمر في الحديث عن احتلال؟ فأحاله أبو مازن إلى القرارات الدولية وحصلت القطيعة.

 

ليس كوشنير الوحيد الذي وضع المفاوض الفلسطيني أمام الأمر الواقع. حتى باراك أوباما الذي دان التوسع الاستيطاني تراجع ودعا للتسليم به، مثل أكثر من رئيس أميركي سبقه.

 

واشنطن تتدرج بتنفيذ المقولة الصهيونية: إعطاء شعب بلا أرض أرضاً باقتلاع شعبها منها.