ترنّح عهد أوباما يُنهي حقبة إيران المدللة ويفتح الباب لسياسات جديدة بدءاً من النووي إلى أزمات الشرق الأوسط
ترامب ولبنان: بيان وزاري يؤسّس لشراكة بين الدولة والدولة فقط !
اللوبي اللبناني في الحزب الجمهوري يُعيد إحياء شعارات «ثورة الأرز» وتشكيل مظلة لتطبيق القرارين 1559 و1701
لعل السؤال الذي يمكن أن يُطرح اليوم: هل وصول الجمهوري دونالد ترامب إلى البيت الأبيض كان سيُغيّر شيئاً في مسار الانتخابات اللبنانية التي سبقت الاستحقاق الرئاسي الأميركي بأيام معدودة؟ وهل كان المرشح ميشال عون المدعوم من محور طهران – دمشق – حارة حريك ليصل إلى قصر بعبدا؟
سؤال تفرضه قراءة كان يُعبّر عنها اللوبي الأميركي، من أصل لبناني، المنتمي إلى الحزب الجمهوري، والذي عمل فريق منه في الحملة الانتخابية لترامب، وهي قراءة مفادها أن إيران قد تلجأ في الربع الساعة الأخير إلى تسهيل انتخابات الرئاسة إذا شعرت أن حظوظ الديموقراطيين متأرجحة وأن سيّد البيت الأبيض سيكون ترامب، انطلاقاً من إدراكها أن المسار الذي سيسلكه ترامب حيال إيران لن يكون مكمّلاً لمسار سلفه، بل سيحمل توجهات مختلفة:
أولى هذه التوجهات تتعلق بالاتفاق النووي الإيراني، الذي لقي معارضة شديدة من الجمهوريين، والذي عبّر عنه ترامب بوضوح، خلال حملته الانتخابية، أنه لن يمضي به بالشكل الذي انتهى إليه، بل إن الخيارات تتراوح بين الإلغاء كحد أقصى والتعديل كحد أدنى، ما يعني أن هناك إعادة تفاوض على الاتفاق انطلاقاً من الاقتناع السائد لدى الجمهوريين بأن هذا الاتفاق لا يخدم المصالح الأميركية ولا مصالح الحلفاء في المنطقة، وهو الاتفاق الذي شكّل تحولاً تاريخياً في السياسة الأميركية، بحيث أن إدارة باراك أوباما اختارت التحالف مع إيران وحماية مصالحها على حساب مصالح بلادها ومصالح حلفائها التقليديين من العرب، والذين أصيبوا بخيبة أمل، واعتبروا أن أمنهم القومي أضحى مكشوفاً.
فالقلق الإيراني بدا واضحاً حين دعت طهران الرئيس العتيد إلى احترام الاتفاقات الدولية، في إشارة لا تعكس الخوف من تراجع الولايات المتحدة الكلي عن الاتفاق النووي، بقدر إدراكها أن آليات تطبيق الاتفاق لا يمكن التفلت منها، ولا يمكن التلاعب بالنصوص والملاحِق من أجل الاستمرار سراً أو مواربة لتحقيق حلم دخول النادي النووي.
أما ثاني تلك التوجهات، والتي لا تقل أهمية، فتتمثل بموقف الجمهوريين المناهض لتدخل إيران في شؤون الدول المجاورة، سواء من خلال دور عسكري مباشر لها أو بواسطة أذرعها العسكرية والأمنية في كل من العراق وسوريا واليمن ولبنان وحتى البحرين والكويت، من أجل تكريس نفوذها في المنطقة والدفع إلى الاعتراف به، هذا فيما كانت إدارة أوباما تتعامل مع التمدّد الإيراني بسياسة التعايش أو غض الطرف من أجل تفادي أي تعقيدات في إمكان التوصل إلى الاتفاق النووي الذي أراد أوباما أن يَدخل التاريخ من بوابته.
هذا الواقع تغيّر اليوم. فإيران ليست «الطفل المُدلل أميركياً». وإذا كان من غير الواضح كيف ستتعامل الإدارة الجديدة مع إيران بشقيّها النووي ودورها العسكري، فإن من شأن الفريق الذي سيختاره الرئيس في الفترة الانتقالية أن يُؤشر إلى المسار الذي سيطبع العلاقة مع إيران تساهلاً أو تصلباً، وهو ما يبدو أن حلفاء إيران وخصومها يرصدونه، إذ على أساسه يمكن عندها استشراف المرحلة المقبلة، على الرغم من أن مستشار حملة ترامب للشؤون الخارجية، اللبناني وليد فارس، أشار في غير مناسبة إلى أن التوجهات التي تحكم ترامب في علاقاته الخارجية تنطلق من تحقيق مصلحة أميركا أولاً، لكن ذلك ليس بالضرورة أن يكون عن طريق الصدام، ولا سيما أن الرجل يُتقن «فن الاتفاق»، وكتابه الذي حَمَل هذا العنوان حقق أكثر المبيعات.
وفي رأي اللوبي الجمهوري من أصل لبناني، والذي يُتابع ملف لبنان لسنوات وكان من داعمي «ثورة الأرز»، أن لبنان أمام فرصة ثمينة لا بد من التقاطها مجدداً مع وجود إدارة جديدة تتبنى سياسة مختلفة حيال تعاطيها مع أزمات المنطقة. ورغم أن لبنان ليس أولوية في أجندة الإدارة الجديدة لكنه ليس غائباً. وبالتالي فبقدر ما يستطيع العهد الجديد، رئيساً وحكومة، التماشي مع الإدارة الأميركية الجديدة حيال إبراز الالتزام بتطبيق القرارات الدولية المرتبطة بلبنان، وعدم اتّباع سياسة العجز والتردّد في العمل على استعادة سيادة الدولة وبسط سلطة قواه الأمنية الشرعية والخروج من منطق التعايش مع الأمر الواقع، بقدر ما ينجح في دفع هذه الإدارة وحلفائها إلى تقديم دعم أكبر من أجل صون لبنان عبر الضغط لتنفيذ القرارات الدولية التي تسهم في حماية لبنان ودعم مؤسساته الشرعية، ولا سيما القرارين 1559 و 1701.
فلبنان الذي حظي، حتى الساعة، بدعم أميركي لمؤسساته الأمنية في مواجهة الإرهاب الآتي من الحدود مع سوريا حفاظاً على استقراره، في اطار سياسة عزله عن الحرائق المحيطة به، لا بدّ لحكومته التي يُنتظر أن تبصر النور من أن تُظهر سياسة واضحة في بيانها الوزاري تؤسس لرغبة وعزم على إعادة إرساء السبل إلى استعادة الدولة لدور مؤسساتها كاملاً، ولا سيما الأمنية منها، من دون شراكة حتّمتها الهيمنة السورية على البلاد، حيث تمّ منح المقاومة امتيازات أمنية تبدأ من التنسيق مع الجيش ولا تنهي عند تحديد أرصفة خاصة لها على المرفأ لضرورات المقاومة أضحت اليوم مصدر تهريب للبضائع والتهرّب من دفع رسوم الجمارك، بما يؤثر سلباً على خزينة الدولة ويُـلحق بالشركات التجارية والاقتصاد أضراراً بالغة عبر المضاربة غير المشروعة.
فحين يبدأ حل الأزمات في المنطقة، ولا سيما الأزمة السورية، سيكون لذلك تأثير أكيد على لبنان، لكن المعادلة التي ستحكم المشهد الداخلي آنذاك تبقى رهن جهوزية العهد والحكومة والقوى السياسية في محاكاة المشهد الدولي والإقليمي المتغيّرة.
فالتحدّي الذي يُواجه عهد عون وحكومة الحريري اللذين يدركان أن ثمة فرصة جدية متاحة لإرساء دولة ذات سيادة لا شريك لها إن لجهة العلاقات مع الدول والسياسات الخارجية أو المسائل السيادية المتعلقة بالسلاح والحدود وتحييد لبنان على الأزمات وخصوصاً الأزمة السورية، يُعبّر عن نفسه بمدى القدرة على إعادة «حزب الله» إلى كنف الدولة بقوة وجودها ومكانتها السيادية أو قوّة المعادلات الإقليمية والدولية الجديدة.