يمتلك الرئيس الأميركي دونالد ترامب الكثير من الخبرات العميقة والتجارب الواسعة في مجالات عديدة. وما من شخصية تصل الى منصب قيادي مرموق، دون أن تكون مزودة بقدر عال من الذكاء والدهاء، فكيف اذا كان هذا المنصب هو رئاسة الولايات المتحدة الأميركية؟ والقول بأن ترامب يفتقر الى الخبرة في شؤون الدولة والنقص في معرفة قضايا العالم، فهو أمر نسبي، ويمكن تعويضه بالمساعدين من ذوي الخبرة في مجالات اختصاصهم. غير أن من سقطات الرئيس ترامب ان العديد من التعيينات التي أجراها تمت على قاعدة تقديم أصحاب الولاء على أصحاب الاختصاص.
عمليا، وصل ترامب الى الرئاسة من خارج منظومة الحكم التقليدية وعميقة الجذور في أميركا والتي تعرف ب الاستبليشمانت. وهو ترشح الى الرئاسة باسم الحزب الجمهوري دون أن يكون منتسبا اليه. وخاض المعركة بشعارات شعبوية من نسيج أفكاره وشخصيته وطباعه وحتى مزاجه الشخصي. وهو خصص المائة يوم الأولى من عهده – على ما يبدو – ليؤكد لجمهوره الخاص الذي انتخبه، وليس للرأي العام الأميركي، انه رجل يفي بما وعد به في الحملة الانتخابية… ولكن هل سيكون ترامب بعد المائة يوم الأولى مثلما كان قبلها؟ هنا يبدأ مؤشر وجهة السير الحقيقية لولايته.
قد يكون قراره ببناء الجدار الأسطوري على الحدود مع المكسيك قابلا للنقاش وتعدد وجهات النظر بشأنه. غير ان تجارب التاريخ أثبتت ان الطغاة هم الذين يبنون جدران الفصل العنصري وان الشعوب هي التي تحطّمها. والحديث هنا عن هذا النمط من الجدران وليس عن سواها. أما قراره الثاني بشأن الهجرة فقد كان سقطة كاملة، وكان انتقائيا وعشوائيا في آن ويفتقر الى وحدة المعايير. وقد انتقى سبعة بلدان اسلامية من المنطقة تضم ست دول عربية، ودولة جوار واحدة غير عربية هي ايران، وذلك بذريعة الأمن الأميركي والارهاب. والمفارقة ان اللائحة لم تشمل باكستان ولا افغانستان، وهذه الأخيرة هي الدولة التي عاش فيها بن لادن، ومنها خطط الهجمات على أميركا في ١١ أيلول / سبتمبر، وفيها قتل أيضا…
الاختبار الحقيقي للرئيس ترامب، بعد انتهاء فترة الاقلاع والمائة يوم الأولى من عهده، هو وعده بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب الى القدس. ومثل هذا الحدث المتهور والجنوني ستكون له مضاعفات في العالم غير متوقعة ولا محسوبة سلفا. ومن الواضح ان ترامب يستهين بالدول العربية والاسلامية الى درجة الازدراء. غير ان قضية القدس هي قضية مليارات من الشعوب من المسلمين وغير المسلمين… والسؤال: هل سيكون ترامب بعد المائة يوم الأولى مثل ما قبلها؟!