قبل البدء في اطلاع قرّاء “الموقف هذا النهار” على حصيلة اجتماعاتي في واشنطن ونيويورك مع مسؤولين عن متابعة الشرق الأوسط وغالبية القوى الأساسية في العالم في “الادارات” المختلفة داخل الإدارة الأميركية ومن المسؤولين السابقين المستمرّين في نشاطهم، فضلاً عن ديبلوسيين غير أميركيين فيهما وباحثين كبار في مراكز أبحاث مهمّة، قبل البدء في ذلك لا بد من الاشارة إلى انتخابات الرئاسة في الولايات المتحدة التي بدأت تحتدم بين مرشّحي الحزب الجمهوري دونالد ترامب وتيد كروز وجون كيسيك، وكذلك بين مرشَّحَيْ الحزب الديموقراطي هيلاري كلينتون وبُرني ساندرز. وصلت إلى واشنطن وترامب كان المتصدّر بين منافسَيْه ومثله كلينتون. وتركتها بعد أسابيع خمسة وترامب يعاني المراوحة ويواجه العجز عن الحصول على الـ1237 مندوباً الذين يحتاج إليهم كي يرشّحه حزبه للرئاسة رسمياً. وسبب ذلك عفويته وعدم تخطيطه وعدم وجود برنامج رئاسي لديه لحل مشكلات الداخل الأميركي وهي كثيرة، ولمعالجة الأزمات العالمية والاقليمية الملتهبة ولا سيما في الشرق الأوسط ولمواجهة إرهاب التنظيمات الإسلامية كـ”القاعدة” و”داعش” وغيرهما ووقف انتشاره السريع. ومن أسباب الوضع نفسه طرحه مواقف ومشروعات استفزازية لأميركيّين كثيرين كما للمجتمع الدولي، فضلاً عن دول أميركيّة مجاورة لبلاده، مثل الانعزال عن العالم والتخلّي عن أوروبا ومنع المسلمين من دخول أميركا، وبناء جدار فاصل على الحدود الأميركيّة – المكسيكيّة لمنع الهجرة غير الشرعيّة ومطالبة حكومة المكسيك بدفع نفقاته. ومن أسبابه أخيراً وليس آخراً تنمُّره واستئساده على منافسيه وعدم تصرُّقه بلياقة معهم.
تسبّب ذلك باستياء الإدارة التقليديّة للحزب الجمهوري (المؤسّسة Establishment) لأن المرشّح المفضّل عندها كان جيب بوش خرّيج مدرسة والده الرئيس السابق جورج بوش وغير المنتمي إلى “حزب الشاي” المتطرّف الذي تكوّن داخل الحزب وأمسك بمفاصله في الكونغرس وخارجه. وساهم في إعطاء دفع لكروز منافس ترامب رغم أنه في رأي خبراء كثيرين أسوأ منه لجهة شعبويّته وتشدّده واقتراحه تسيير دوريّات شرطة في استمرار داخل الأحياء الإسلاميّة في أميركا. علماً أنها ليست موجودة إلاّ في ولاية ميشيغان (ديربورن). فبدأ يتقدّم في الانتخابات الحزبيّة التمهيديّة مستعيناً لتحقيق ذلك بتهذيبه وبمعرفته أكثر من ترامب بقضايا الداخل والخارج. أما مرشحا الحزب الديموقراطي فقد تركتُ واشنطن وكلينتون لا تزال المتصدّرة ولكن مع تقدّم بطيء وثابت لساندرز. والسبب أن نسبة الثقة بالأولى عند الأميركيّين تقل عن نسبتها عند ساندرز، رغم أنها لا تزال فوق الـ 50 في المئة، وأنها تُواجه مشكلة استعمالها هاتفها الخليوي الشخصي في أثناء تولّيها وزارة الخارجية. والتحقيق جارٍ في هذا الموضوع وربما تستدعى إليه. والسبب أيضاً أن ساندرز يلاقي بطروحاته الاجتماعيّة والسياسيّة الداخليّة القريبة جداً من طروحات الاشتراكيّة الغربيّة المُمارسة في دول شمال أوروبا تأييد الشباب والشيوخ واستحسانهم وخصوصاً بتصدّيها لـ”وول ستريت” حي المال والمصارف في نيويورك، وأنه بتعليقاته على مشكلات أميركا الخارج وعلى مواقف المرشّحين الجمهوريّين منها وكذلك كلينتون يبدو على اطلاع عليها وداعياً إلى معالجتها بتعقل.
في هذا المجال أشير إلى أن أحداً من العاملين في “الإدارات” الأميركيّة سألني: لو كنت أميركيّاً من تنتخب لرئاستها؟ أجبت: لو كنت جمهوريّاً سأنتخب جون كيسيك (Kasich) المرشّح الثالث رغم ضعف حظوظه لأنه أكثر تهذيباً وموضوعيّة وهدوءاً ومعرفة واطلاعاً من منافسَيْه، وقد يكون له مشروع أو نواة مشروع. أما لو كنتُ ديموقراطيّاً سأنتخب هيلاري كلينتون لأنها مارست العمل الرسمي والعام مداورة أيّام رئاسة زوجها بيل كلينتون ويوم نافست باراك أوباما على الترشّح للرئاسة وفي أثناء تمثيلها ولاية نيويورك في الكونغرس على مدى 8 سنوات، وإشغالها وزارة الخارجية مع الرئيس باراك أوباما في ولايته الأولى.
إلا طبعاً أذا حال مانع قضائي دون استمرارها في المعركة. أما ساندرز فاحترامي له كبير رغم بعض الديماغوجيّة والشعبويّة عنده يذكّرني بشيوعيّينا ويساريّينا في العالم العربي.
كيف سينتهي التنافس بين مرشّحي الديموقراطي والجمهوري في أميركا؟