Site icon IMLebanon

ترامب ينشر الفوضى في كلّ مكان

لم يحدث أن أثار رئيس أميركي هذا المقدار من العواصف الداخلية والخارجية فور دخوله الى البيت الأبيض كما هو حاصل مع دونالد ترامب.

العواصف الداخلية تبقى الأهمّ، لكنّ العواصف الخارجية لا تقلّ خطورة.

ففي الداخل الاميركي ورغم مضيّ نحو أسبوعين فقط على تولّيه مسؤولياته، يزداد خصوم ترامب خصوصاً داخل المؤسسات ومراكز التأثير، رغم أنّ استطلاعات الرأي ابقت على نسبة داعميه كما هي والتي تراوح بين 42 في المئة و47 في المئة.

صحيح أنها أدنى نسبة لبداية ولاية رئيس اميركي على الاطلاق، لكنّها النسبة التي تضمّ غلاة البيض وأبناء الريف والمجموعات التي تعتبر نفسها الأب الحقيقي للبلاد.

أحدث خصوم الرئيس الاميركي في الداخل هو الجسم القضائي الذي كسر قرار ترامب منع رعايا سبع دول من دخول البلاد، والتعليق «الفجّ» لترامب على ذلك. هي مواجهات تعمّق من الانقسام الداخلي أكثر فأكثر، لكن ما حُكي عن ظهور خلافات داخل الادارة الفتية هو ربما ما يدعو لقلق فريق ترامب.

ذلك أنّ مستشاره للشؤون الاستراتيجية ستيفن بانون وصاحب التأثير الأقوى في البيت الابيض لدرجة أنّ «نيويورك تايمز» وصفته في احدى المرات برئيس الرئيس ترامب، حاول خوض مواجهة تنفيذ قرار الحظر على الدول السبع والذهاب الى النهاية.

وبانون المعروف بتشدّده كان قد صاغ قرار الحظر بالتفاهم مع رودي جولياني حاكم ولاية نيويورك السابق والمقرّب من ترامب.

وكشفت صحيفة «واشنطن بوست» عن مواجهة حصلت بين بانون ووزير الأمن الداخلي جون كيلي الذي رفض طلب الأول بعدم التزام القرار الصادر عن المحكمة الفدرالية.

وحسب الصحيفة فإنّ اجتماعاً عبر الهاتف عقد بين رجال إدارة ترامب الكبار أفضى الى انقسام في الرأي بين رافض للسير في مشروع تحدّي القضاء وضمَّ وزراء الدفاع والخارجية والأمن الداخلي ومستشار الأمن القوي، وبين مؤيّد للشروع بذلك وهم مستشارو الرئيس الذي بقي بعيداً من الانقسام الحاصل.

الفريق الرافض للقرار اعتبر أنه ألحق ضرراً كبيراً بصورة إدارة ترامب، وبالبلاد عموماً، فيما تذرّع المدافعون بأنه يهدف في النهاية الى إلزام هذه الدول الدخول في تعاون أمني واستخباري مع الولايات المتحدة الاميركية ما يمنحها أوراق قوة على مستوى الشرق الاوسط.

وكان لكيلي رأي آخر، إذ أشار الى أنّ اختراق الأسوار الامنية للدول بات امراً ممكناً مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي وانه يدرس اقتراحاً بإلزام كلّ متقدم للحصول على تأشيرة دخول بإطلاع السلطات الاميركية على كامل نشاطه عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

وظهرت المصاعب الداخلية أمام ترامب مع اضطرار نائبه مايكل بنس للتوجّه الى الكونغرس للإدلاء بصوته وإنقاذ المصادقة على تعيين وزيرة التربية بعد انضمام عضوين جمهوريّين الى الديموقراطيين في رفضهم تعيينها وانقسام الاصوات مناصفة بين الفريقين، وهي سابقة.

أما على المستوى الدولي، فلم تكن المسائل اقلّ صعوبة مع رسائل جسّ النبض التي وجّهها ترامب يميناً ويساراً. فقريباً جداً يبدأ بناء جدار الفصل مع المكسيك والذي ستنفّذه شركة «ميجال سيكوزي سيستمز» الإسرائيلية والتي سبق أن نفّذت الجدار العازل مع قطاع غزة والضفة الغربية.

وفي شرق أوكرانيا نشبت المعارك العنيفة لتشكّل أوّل وأكبر اختبار لعلاقة ترامب مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين. لكنّ الرسائل الأبلغ كانت في اتجاه الشرق الأوسط، قابلتها رسائل مضادة خصوصاً من الجانبين الإيراني والإسرائيلي.

فالسياسة الإيرانية المشهورة بالرهان على الوقت وتوظيفه لصالحها ردّت على الموقف الأميركي بموقف مضاد، وأطلق حلفاؤها في اليمن صواريخ بالستية جديدة في اتجاه العمق السعودي وحجبت تأشيرات الدخول عن جميع الأميركيين الساعين بكثرة للاستثمار في الأسواق الإيرانية. واعلن البنك المركزي الإيراني منع التداول بالدولار الأميركي.

في المقابل، حرّكت واشنطن المدمّرة «يو أس اس كول» في اتجاه مضيق باب المندب للإعلان عن مسؤولية واشنطن المباشرة بحماية الممرّات المائية في المنطقة توازناً مع المستجدات الميدانية في اليمن.

هذه الرسائل تؤكد أنّ ترامب لا يريد حرباً مباشرة لبلاده في المنطقة، بل فقط الضغط لتحسين أوراقه التفاوضية. وبدا أنّ طهران تدرك ذلك جيداً.

لكنّ الضغط الاميركي قد لا يتوقف هنا، ذلك أنّ همساً يدور في الكواليس حول نيّة واشنطن إدراج الحرس الثوري على لائحة الإرهاب، وهو ما يعني السعي لاحتواء الانفلاش والنفوذ الإيرانيّين خارج الحدود وخصوصاً في العراق وسوريا ولبنان. وسيترافق ذلك مع إدراج الإخوان المسلمين كتنظيم إرهابي أيضاً.

ويبدو أنّ ترامب الذي أجرى أوّل اتصال هاتفي مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعد طول انتظار من الأخير، يراهن على تجاوز تركيا للقرار كونها تفتّش عن مصالحها على الساحة السورية وواقعها الاقتصادي والمساعدة الأميركية لتثبيت استقرارها الأمني الداخلي.

كذلك فإنّ أنقرة تبحث عن دور أوسع من خلال المناطق الآمنة التي تريد واشنطن إنشاءها لامتصاص مشكلة النزوح السوري، والتي ستُقام في شمال سوريا وجنوبها عند الحدود مع الأردن. ولفت في هذا الاطار تنفيذ الطائرات الأردنية غارات جنوب سوريا بعد اللقاء الذي جمَع ترامب بالملك الأردني وهو الأوّل له مع زعيم عربي.

ويدور في الكواليس الديبلوماسية كلام عن دور لمصر والأردن في حماية هذه المناطق ودور لدول الخليج في تأمين الاعتمادات المالية المطلوبة.

أما الرسائل الأميركية – الإسرائيلية فكانت الأقلّ ضوضاءً رغم أنها الأكثر أهمية. ولا شك في أنّ إسرائيل ما كانت لتقدم على تشريع المستوطنات القائمة على أملاك فلسطينية في الضفة الغربية لولا وصول ترامب الى البيت الأبيض.

وهو تشريع يؤشّر الى تمزيق حلّ الدولتين الذي كان ترامب قد كلّف صهره بتولّي ملف التسوية الإسرائيلية – الفلسطينية على أساسه. ترامب صاحب المواقف المفاجئة كان أعلن دعمه لحلّ الدولتين وحضّ على تجميد التوسّع الاستيطاني خارج الكتل الكبرى.

لكنّ الصورة الأميركية- الإسرائيلية لن تتّضح إلّا بعد لقاء ترامب – بنيامين نتنياهو في 15 الجاري وسط كلام يشير الى تمسّك الحكومة الإسرائيلية بمبدأ تنفيذ ترانسفير للعرب الإسرائيليين خارج الدولة الإسرائيلية والى اقتطاع منطقة نفوذ مباشرة جنوب سوريا تؤمّن في الوقت نفسه احتواء خطر «حزب الله» في جنوب لبنان. وهذه أهداف قد يكون السبيل الوحيد لتحقيقها الشروع بعملية عسكرية وفق منطق الحكومة الإسرائيلية.