تشدّد ترامب يُسقط مظلة أوباما عن «حزب الله»… وعقوبات جديدة ضد محور الممانعة
الإشارات الجنبلاطية إدراك مبكر لدخول لبنان دائرة الخطر
متابعون في واشنطن: استدراج إسرائيل من قبل «حزب الله» انتحار للحزب ولإيران
حين يستعيد الزعيم الدرزي وليد جنبلاط المفردات ذاتها التي كان استخدمها إبان صدور القرار الدولي 1559، بأننا نستطيع أن نتفاهم بالحوار حول سلاح «حزب الله»، فهو يدرك أننا دخلنا مجدداً دائرة الخطر لبنانياً نتيجة الضغوط الأميركية. ثماني سنوات من حكم الرئيس الأميركي السابق الديموقراطي باراك أوباما شكّلت، نتيجة تقاطع المصالح الأميركية – الإيرانية، مظلة لـ «الحزب» ما أعطاه هامشاً واسعاً للتمدّد وتحسين موقعه وتحصين قدراته، لكن مجيء الجمهوري دونالد ترامب إلى «البيت الأبيض» أفقده تلك المظلة مع تبدل الاستراتيجية الأميركية حيال المنطقة وإيران تحديداً.
وما دامت المواجهة الأميركية – الإيرانية ليست مواجهة مباشرة ولن تستهدف واشنطن عسكرياً طهران، كما يؤكد معنيون بالسياسية الأميركية للشؤون الخارجية، فإن الضغط الأميركي سيتجه إلى أمكنة النفوذ الإيراني في المنطقة، حيث أذرعها العسكرية تنخرط في الحروب الدائرة من العراق إلى سوريا واليمن، وإلى لبنان الذي يُهيمن «حزب الله» - الذراع الإيرانية الأقوى - على قرار الحرب والسلم فيه. هي معادلة باتت واضحة، ولأنه «إذا غامرت أميركا بالضغط على إيران الذي قد يكون في الخليج العربي كما أنه يمر في لبنان»، تبرز مخاوف جنبلاط الأقدر على التقاط إشارات التحوّلات وما قد ينتج عنها. فليس استخدامه «إذا الشرطية» سوى من قبيل تخفيف الصورة السوداوية التي تنتظر المنطقة، والتي قد لا ينجو لبنان من شظاياها، لا بل قد يكون في قلب الحريق المقبل.
المخاوف هنا تعتري غالبية القوى السياسية الموجودة عملياً في السلطة، والعاجزة عن التأثير في مسار الأمور، لكن جنبلاط قد يكون الأجرأ في التعبير عنها بقوله: «لا نريد العودة إلى حرب 2006 مجدداً، ونريد أن يكون قرار الدولة هو الأساس، وأتمنى أن تبقى التهديدات في حكم المناورة». ففي الدوائر الأميركية ليس هناك من كلام عن تشجيع أميركي لإسرائيل لضرب «حزب الله»، فلا مصلحة لإسرائيل في حرب على لبنان، فحدودها الشمالية منذ العام 2006 هي الأكثر أمناً. التحذيرات التي تصل إلى غير جهة لبنانية تُنبه من أي عملية استدراج لها من قبل «الحزب»، ذلك أن ثمن هذا الاستدراج سيكون باهظاً على لبنان بأكمله.
الرسائل الأميركية مفادها أن ظروف الـ2107 مختلفة عن ظروف الـ2006 على أكثر من صعيد، ولذا لا بد من الحذر. ليس هناك سيناريوهات لأي اجتياح بري للبنان، إذا تم استدراج الإسرائيليين إلى الحرب. القوة التدميرية ستكون لسلاح الطيران في محاكاة لحرب 2006، وبنك الأهداف لن يوفر جسراً أو طريق امتداد لعبور الأسلحة ولا مواقع أو مخازن أو قرى أو تجمعات سكنية وبشرية قد تستخدم كدروع بشرية. النصيحة التي سيسمعها مجدداً لبنان الرسمي ببقاء جيشه بعيداً عن المواجهة الذي قد يستدرجه «الحزب» إليها، فيما هو ليس جزءاً منها لأن سلطته السياسية ليست صاحبة القرار في الحرب التي قد تجرّ إيران لبنان إليها عبر «حزب الله».
الظروف اليوم مغايرة، حتى على صعيد النتائج. وما يقصده المطلعون في دوائر القرار في واشنطن لا ينطلق فقط من أن المزاج العربي مختلف، سواء على مستوى الشعوب أو الأنظمة، بل من أن إدارة ترامب أيضاً هي أكثر تشدداً من إدارة الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش أيام حرب تموز، ولن تستجيب لأي محاولات احتواء شبيهة بتلك التي قامت بها حكومة الرئيس فؤاد السنيورة مع دول القرار الدولي، التي أفضت إلى القرار الدولي 1701، والذي التفّ عليه لاحقاً «حزب الله». ستذهب إدارة ترامب إلى الضغط على لبنان اقتصادياً ومالياً من خلال قرارات جديدة أكثر حدة لوزارة الخزانة تستهدف القطاع المصرفي لتوسيع دائرة الممنوعات والمحاذير من أي تعامل مع «حزب الله» المدرج على لائحة الإرهاب، ومع أي من الأفراد والكيانات والمؤسسات المحسوبة عليه، لا بل أن الحديث يدور راهناً حول احتمال صدور قرار جديد من الكونغرس الأميركي يشمل منظومة محور الممانعة المتمثل بـ «إيران (الحرس الثوري ) – النظام السوري – حزب الله»، ما قد يضع الدولة اللبنانية في موقع دقيق وحساس لجهة أي تعامل مستقبلي مع هذا المحور.
ما يسرّ به هؤلاء هو أن الإدارة الأميركية لا تراهن على القوى اللبنانية التي انتفضت بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005 واتسمت بكونها قوى سيادية. فما سمعه رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ السيناتور بوب كوركر خلال لقاءاته في لبنان من «لغة رمادية» حيال «حزب الله» كفيل بترسيخ وجهة النظر الأميركية عن تلاشي قدرة المعارضة السياسية والشعبية الداخلية على تشكيل أي قوة ضغط على «الحزب»، وإن كان من التقاهم لا يخفون خشيتهم من خطر «الحزب» كعنوان من ضمن عناوين ثلاثة تشكل عبئاً على لبنان. ويتمثل العنوانان الآخران بخطر تنظيم «داعش» وملف النازحين السوريين.
وإذا كان واضحاً لدى الإدارة الأميركية من أنها لن تدير ظهرها للبنان في ما خص «الحرب على داعش»، وسيكون مستوى التنسيق أكبر في هذا المجال، وهي ما شكلته رمزية زيارة المسؤول الأميركي إلى مواقع الجيش في جرود عرسال، وهو ما سوف يتم البحث به على مستوى أوسع خلال زيارة مرتقبة لوفد عسكري أميركي إلى لبنان، فإن مسألة النازحين السوريين في لبنان لن تشمل خطط الإدارة التي تعدّ لإقامة مناطق آمنة على الحدود السورية – الأردنية والسورية – التركية لاستيعاب النازحين الموجودين في كلا الدولتين، ذلك أن إقامة منطقة آمنة على الحدود اللبنانية – السورية هو خارج النقاش الأميركي، انطلاقاً من إدراك واشنطن بسيطرة «حزب الله» على المناطق السورية المحاذية للحدود ورفضها التعامل معه أو مع إيران في هذا الملف في ظل عجز السلطة السياسية اللبنانية عن الإمساك به.
الخلاصة التي يخرج بها المتابعون في واشنطن هي أن أي استدراج لإسرائيل من قبل «حزب الله» هو عملية انتحار لـ «الحزب» ولإيران. وليس التهويل الذي يقوم به «الحزب» من امتلاكه لأسلحة كاسرة للتوازن سوى «وهم»، ذلك أن أي سلاح قد يندرج في خانة السلاح الممنوع أن يصل إلى يد الجماعات المسلحة تتحمل مسؤوليته الدولة التي تمتلكه، وليس بوسع الدولة المصدرة لهذا السلاح، والمقصود هنا روسيا، في ظل الحديث عن امتلاك «حزب الله» لعدد من صواريخ «ياخونت» سوى العمل على إبطال مفاعيلها، وإلا أضحت هي في دائرة الاستهداف الدولي. أما الرسائل المبطنة عن تحويل عناصر القوة الدولية في الجنوب إلى رهائن، فهو ليس سوى انتحار محبّب لواشنطن لأنه يعطيها الذريعة لتأليب المجتمع الدولي بأسره ضده وضد إيران!