قد يعدّل الرئيس الأميركي دونالد ترامب في مدوّنة الاستحالات السورية. وقد يدفع بزخمه الاقتحامي إلى إحداث فتحة في الجدار المدرّع المحيط باحتمالات التسوية، أو الوصول إلى حل مركّب يحفظ ما تبقّى من قواعد مؤسسات «الدولة» من خلال الإطاحة برؤوسها! ويمنع في الوقت نفسه حضور «الصوملة» كأحد الخيارات الواردة جداً تبعاً لحجم التفلّت الحاصل، ولحجم الدمار الذي ضرب البنيان الفوقي والتحتي وغيّب «الوسطية الطبقية»، إذا صحّ التعبير، لصالح حالة شديدة التنافر: ظهور طبقة من تجار الحرب وحثالاتها، في مقابل تعميق حالات العوَز وتمددها باتجاه أكثرية لا جدال في أكثريتها!
الجديد الذي يحمله ترامب، هو ذاته قديمه الذي حكى عنه في حملاته الانتخابية، وخلاصته: التركيز على «محاربة الإرهاب» فعلياً وليس على طريقة سلفه أوباما، ثم الذهاب إلى تبنّي خيار «المناطق الآمنة» بما يسمح لحركة النزوح بأن تبقى في نطاقها القطري الداخلي ولا تعود لتتمدّد (غرباً!) بالاتجاه الأوروبي وغير الأوروبي.
لكن الأمرين على ما يمكن لأي حصيف أن يُلاحظ، لا يحملان شبهة «تسوية» للأزمة النكبوية هذه، بل العكس. بحيث أن تبني قصة المناطق الآمنة يعني تحضير العدّة المطلوبة، خارج السياق العسكري، للمزيد من النزوح القسري الذي ستفرضه المعارك الموعودة تحت شعار «محاربة الإرهاب»!
وهذا في ظاهر الدنيا يعني أن النكبة طويلة! لكن على طريقة الشيء ونقيضه التي يعتمدها الرئيس الأميركي (ومن عناوينها أميركا قوية وانعزالية في الوقت نفسه؟!) فإن الجدّية التامة في مقارعة «داعش»، والخروج من دائرة الاستثمار المخزي لأعماله وأحجياته، ثم إعادة الأمور إلى نصابها المنطقي، أي الكف عن فضيحة الأخذ بادعاء قدرة بضعة آلاف إرهابي مسلّح على مواجهة «حرب» تقودها الولايات المتحدة وتشارك فيها نحو ستين دولة.. إلخ! ذلك كله سيدفع النقاش حُكماً إلى مرحلة جديدة. وتلك معزوفة لا تسرّ أسماع الإيرانيين وتابعهم رئيس سوريا السابق بشار الأسد، بل الحقيقة العارية، تقول بالعكس تماماً.
استناداً إلى مدوّنة ترامب (التي يركض ركضاً لترجمتها عملياً) فإن الإرهاب الداعشي أساساً وغيره فرعاً (النصرة مثلاً) ليس سوى أحد وجهي العملة الإرهابية.. الوجه الآخر تمثله (في أدبيات الإدارة الأميركية قبل ترامب نظرياً ومعه فعلياً) إيران وأذرعها الممتدة من الخليج العربي إلى شواطئ المتوسط.. والحرب واحدة في المعركتين!
ومفردة الحرب قد تكون مطّاطة في حالة إيران. ولا تسري أحكامها على «مستشاريها» وأدواتها في سوريا، مثلما تجري أو ستجري على الضفة الأخرى من نهر الإرهاب هذا، حيث العري الداعشي لا يغطيه أي رداء في ساعة الجدّ! في حين أن شمّاعة إيران تحمل أثواباً كثيرة، منها التحالف «المرحلي» مع الروس، والعلاقات المتشابكة بينها كدولة وبين المجتمع الدولي، مع كل تعقيداتها.
لكن «القرار» الأميركي واضح! ودور إيران في سوريا يشمله ولا يستثنيه. مثل «أدوارها» في غير سوريا بالمناسبة! أي أن المنطقة برمّتها أمام مشهد جديد وإن لم يكتمل بعد. وجانب من مقوّمات اكتماله موجود في طهران نفسها وليس خارجها. والسؤال عندها وليس عند غيرها فقط: هل ستكمل الأداء المتفلّت مثلما كان الحال أيام أوباما، أم ستعيد النظر في ذلك كله؟!
خبرية أن «حزب الله» باقٍ في سوريا حتى لو حصلت تسوية لا تبشر بتغيير في المقاربة الإيرانية! لكن لا يخالف الصواب القول بأن خيارات إيران ضاقت كثيراً. وفترة السماح (الأوبامي) انتهت. والروس يدبّون الخطى إلى مكان آخر.. أكثر قرباً من واشنطن وأكثر ابتعاداً عن طهران! عدا أن الاهتزاز في العلاقات الأميركية – الخليجية قارب التوقف لصالح الثبات الاستراتيجي!
«قرار» ترامب (قبل تحرّكه!) سيدفع بكل اللاعبين على المسرح السوري إلى ضبضبة بضاعاتهم، والتواضع في التوقعات والخيارات… وذلك ثاني شروط نضوج احتمال «التسوية» بعد إكمال شرطها الأول: ضرب الإرهاب بوجهيه وكسر خبرية المفاضلة بينه.. وبين بشار الأسد.