في آخر اطلالة اعلامية متلفزة شبكة تي. بي. ان الأميركية للرئيس الأميركي دونالد ترامب، حرّك الجمر في قضيتين مثيرتين للجدل: نقل السفارة الأميركية في اسرائيل الى القدس، ومصير الاتفاق النووي المعقود بين ايران من جهة والدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي اضافة الى ألمانيا ٥١، من جهة ثانية. وفي مقاربته للقضية الأولى المتعلقة بالسفارة تحدث بنبرة هادئة ظاهرها سلمي وايجابي، وفي مقاربته الثانية في موضوع ايران كانت النبرة عاصفة وتنطوي على أعلى لهجة بالتهديد والوعيد!.. وفي الواقع، فان الأسلوبين هما وجهان لعملة واحدة، كيف؟
***
حتى الآن، لم ينحرف الرئيس ترامب مقدار شعرة عن الاستراتيجية الأميركية العامة الموضوعة طوال عقود، ومنذ قيام الكيان الصهيوني على أرض فلسطين بالقوة والعنف والقهر والتآمر الدولي. قال ترامب انه يريد أن يعطي فرصة لإحلال السلام بين اسرائيل والفلسطينيين قبل نقل السفارة الأميركية الى القدس. وقد تصرّف بذلك بأسلوب كل من سبقه من الرؤساء الأميركيين الذين وعدوا في حملاتهم الرئاسية بنقل السفارة الى القدس، وتراجعوا بعد الفوز بالرئاسة، بذريعة العمل من أجل السلام بين اسرائيل والفلسطينيين حينا، وبين اسرائيل والعرب كافة حينا آخر بموجب مبادرة السلام العربية في قمة بيروت التي وضعت أصلا بتحريض أميركي!. واذا كان ترامب تصرّف في هذا الموضوع على طريقة سابقيه، إلاّ أنه قد يختلف عنهم في الحسابات! ولعل ما يضمره ترامب هو تقديم هذه الهدية لاسرائيل ليس في بداية عهده بل في أواخره، ليكون عربون تجديد الولاية لفترة رئاسية ثانية، وعلى طريقة الدفع سلفا هذه المرة!
***
كل ما يسمّى ب عمليات السلام الأميركية في الشرق الأوسط كان الهدف الأوحد منها ليس التوصل الى اتفاق عادل للسلام بين العرب واسرائيل، وانما كسب الوقت عن طريق إضعاف العرب مجتمعين، وضرب كل مواقع القوة عند أي طرف عربي، بهدف إعداد المسرح لفرض السلام على العرب. بشروط اسرائيل. والمعلومات الأكيدة لدى القيادة الأميركية هي اليوم ان الطبخة نضجت، وان العرب لم يعودوا مصدر خطر على اسرائيل… ولكن مصدر الخطر على أية اتفاقية سلام مع الفلسطينيين أو العرب مصدره اقليمي وغير عربي، هو… ايران الفارسية! وهذا هو سرّ العداء الأميركي لايران على مرّ العهود، وليس الاتفاق النووي ولا سواه! والاشارة الوحيدة التي تحمل لمسة عربية معادية لاسرائيل، وفشلت كل محاولات محوها وازالتها من الوجود، هي المقاومة التي انطلقت من لبنان وانتشرت في الشرق الأوسط، وهي امتداد لما يسمّى ب الخطر الايراني على اسرائيل، في نظرهم!
***
سرّ نجاح الاستراتيجية الأميركية القائلة بأن يدمّر العرب أنفسهم بأنفسهم هو العرب أنفسهم، الذين مشوا وراء أميركا بعيون مغمّضة. ولم يسأل العرب أنفسهم يوما أيهما أكثر فائدة لهم: صداقة أميركا؟ أم قيام تفاهم عربي – ايراني يضمن مصالح الطرفين ويصون أمن المنطقة بعيدا عن واشنطن وموسكو وغيرهما؟!