لم يعد من الصعب التفتيش عن حدث العام لا في الشرق الأوسط ولا في العالم:
في السادس من كانون الأول 2017، ارتكب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، حدث العام:
بأعصاب باردة وابتسامة صفراوية، قرأ بضع كلمات:
قررت أنه آن الأوان للإعتراف رسمياً بالقدس عاصمة لإسرائيل.
هذه الكلمات لها وقع المدوِّي ليس على الفلسطينيين فحسب، بل على العالم أجمع، والخطورة في الأمر أنَّ هذا الفعل جاء من أكبر دولة في العالم هي الولايات المتحدة الأميركية، كما أنَّها أول دولة تعلن اعترافها بالقدس عاصمة لإسرائيل منذ إعلان تأسيسها عام 1948.
البيان المدروس، والمُعد بعناية، قابلته أول ردة فعل إيجابية من الحليفة الأولى لأميركا، إسرائيل، فما كاد الرئيس الأميركي يُعلن قراره حتى رحَّب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بالخطوة، واعتبرها يوماً مشرقاً لليهود، مؤكداً أنَّ لا تغييرات على الوضع القائم في الأماكن المقدسة.
لكن في المقابل، فإنَّ الطرف الأول في النزاع، وهو الطرف الفلسطيني، فقد دعا رئيسه محمود عباس العالم إلى منع تنفيذ القرار، كما أعلنت منظمة التحرير أنَّ القرار يدمر أية فرصة لحل الدولتين.
الصاعق في الموضوع أنَّ لا دولة في العالم أيَّدت قرار الرئيس الأميركي، فحتى جزء من إدارته كان ضده في القرار:
وزير خارجيته ريكس تيلرسون ومستشار الأمن القومي هربرت ماكماستر، اعتبرا أنَّ هذه الخطوة ستؤدّي إلى تعقيدات كبيرة أمام الوصول إلى تسوية سلمية بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية، والأهمّ أنّها ستعطي دفعاً وزخماً لرافضي مبدأ الصلح مع إسرائيل، وستعطي الذريعة لرفع درجة الحماوة في المنطقة، ما سيضع المصالح الأميركية في خطر.
كما اعتبرا أنَّ الخطة ستكون لها عواقب أمنية وخيمة وستعيد فتح باب استهداف الأميركيين، بدءاً من القدس نفسها، وصولاً إلى كلّ ساحات الشرق الأوسط، وستساعد روسيا في فتح أبواب عواصم الشرق الأوسط أمامها.
هذا يعني أنَّ بركاناً سياسياً وأمنياً جديداً سيتحرك في الشرق الأوسط ليقذف حممه، بما يمكن أن يؤدي إلى حروب متقطعة. وهذه الحروب قد لا تسلم منها البلدان، ولا سيما التي هي على تماس مع العدو الإسرائيلي.
وإذا حاول البعض سلوك طريق الدبلوماسية، فماذا سيجنون؟
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أكد رفضه الإجراءات الوحيدة الجانب التي قد تقوّض تقدم السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، مشيراً إلى أنَّ القدس واحدة من قضايا الحل النهائي التي يجب أن تُحل من خلال المفاوضات المباشرة بين الجانبين على أساس قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة، مع الأخذ في الإعتبار المشاغل المشروعة للجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.
المسؤول الأممي غوتيريش أكد أنَّه يتفهم الإرتباط العميق للكثير من الناس بالقدس، وهي كانت كذلك لقرون وستظل، وفي هذه المرحلة القلقة أريد أن أوضِّح أنه لا بديل من حلِّ الدولتين.
وأضاف أنه فقط من خلال وعي رؤية حل الدولتين اللتين تعيشان جنباً إلى جنب، بأمن واعتراف متبادل، وبالقدس عاصمة لإسرائيل وفلسطين، كل قضايا الحل النهائي تحل بشكل نهائي، ومن خلال المفاوضات تحقق التطلعات المشروعة للشعبين.
من هنا إلى أين؟
المؤسف أنَّ ردات الفعل الغاضبة قد لا تعدِّل في القرار شيئاً:
فالكلام غير المترافق مع الأفعال، هو كالصمت، لا يؤدي إلى أية نتيجة.