من شأن قرار ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي مع ايران وتهديده باعادة العقوبات، تعكير الاقتصاد الايراني واسواق النفط العالمية. وقد أرخت حالة عدم اليقين هذه بظلالها على الاقتصاد الايراني، وفقدت العملة الايرانية ثلث قيمتها.
منذ الاتفاق النووي الذي دخل حيز التنفيذ في العالم ٢٠١٦، تمّ خلق ٦٠٠ الف وظيفة سنوية. ومع ذلك، تبقى البطالة في اعلى مستوياتها على الاطلاق.
وحسب Suzanne Maloney من مؤسسة بروكينغز «هناك شعور من الذعر بين الايرانيين حول ما يخبئه المستقبل وقرار ترامب زاد الاحساس بعدم الامان» وقد انعكس ذلك بالفعل في اسواق النفط الدولية حيث ارتفع سعر برميل النفط الى 80 دولارا للمرة الاولى منذ العام ٢٠١٤ وسط مخاوف من العقوبات الصارمة التي قد تفرضها مجددًا الادارة الاميركية.
يقدّر خبراء النفط ان تجديد العقوبات سوف يسحب من الاسواق حوالي ٣٥٠ الفا الى ٥٠٠ الف برميل يوميًا من النفط الخام ويزيد من سعر البرميل حتمًا (تصدّر ايران يوميًا حوالي ٢،٦ مليون برميل من النفط.). كذلك المشروعات الكبيرة قد تتعرض للخطر خاصة في قطاعي النفط والغاز والتي عانت نقصا كبيرا في الاستثمارات خلال سنوات العقوبات. على سبيل المثال، شركة توتال الفرنسية التي حررت عقدًا مع شركة النفط الوطنية الايرانية لمدة عشرين سنة ضمن مشروع تبلغ قيمته ٢ مليار دولار ويتضمن ٣٠ بئرًا مع برنامج انابيب لتعزيز انتاج الغاز الطبيعي في حقل بارس الجنوبي. (شركة البترول الوطنية الصينية شريك بنسبة ٣٠ في المئة).
والاهم ان توتال لها مصالح في الولايات المتحدة ولا ترغب في انتهاك القانون الاميركي والتعرض لعقوبات قد تفرضها اميركا على الشركات التي لا تمتثل. وهذا الامر حتمي. وانخفاض صادرات النفط الايرانية سوف يضرّ الجمهورية الاسلامية لا سيما وان المنتجات النفطية تشكل اكثر من ٦٠ في المائة من ايرادات الصادرات الايرانية ونسبة كبيرة من ميزانية الدولة. كذلك تخفيض الصادرات الايرانية قد يشكل اثرًا كبيرًا على اسواق النفط سيما وان ڤنزويلا وهي مصدّر كبير تعاني من اضطرابات سياسية، بالاضافة الى عامل ارتفاع الطلب العالمي على النفط بفضل النمو الاقتصادي السريع.
يقول ميغيل أرياس كانيتي Miguel Arias Canete من المفوضية الاوروبية لشؤون الطاقة وتغيّر المناخ ان ايران تريد أن تتصرّف كتلة الـ ٢٨ دولة بسرعة للمحافظة على تجارة النفط مع ايران، وان تنظر في تسديد المدفوعات باليورو مباشرة للبنك المركزي الايراني متجاوزة بذلك النظام المالي الاميركي. وقد تعهد الزعماء الاوروبيون بابقاء تجارة النفط والاستثمارات مع طهران انما اعترفوا بأن ذلك قد لا يكون سهلًا . ودائمًا حسب كانيتي، «علينا ان نحافظ على هذا الاتفاق حتى لا نضطر الى التفاوض بشأن اتفاق جديد» اضاف: «رسالتنا واضحة وهذا الاتفاق يعمل».
اما في ما يخصّ طهران، فان مستشار المرشد الأعلى للجمهورية الاسلامية اية الله علي خامنئي لديه شكوك حول ما اذا كان من الممكن الوثوق بالدول الاوروبية لانقاذ الاتفاق. وهو يقول «ان التناقضات في كلمات السلطات الاوروبية مريبة ونأمل ان يتمكّن مسؤولو هذه الدول في تأمين الضمانات اللازمة…»
لذلك نرى ان اسواق النفط قد تتعرّض لهزات سيما وان طهران تحتاج الى اجتذاب ١٠٠ مليار دولار من الاستثمارات الاجنبية لتعزيز صناعة النفط.
لكن، وحتى مع انخفاض التصدير الى ١،٥ مليون برميل يوميًا، فهذا يعني ايرادات بقيمة ٤٠ بليون دولار سنويًا، علمًا ان ايران أقامت احتياطات نقدية مهمة منذ العام ٢٠٠٤. لذلك قد يكون العرض الايراني للدول الاوروبية بتجاوز النظام المالي الاميركي والدفع باليورو امرا قابلا للنقاش وقد يعمل الاوروبيون في هذا الاتجاه لابقاء التجارة النفطية مع طهران.
قد تكون «القصة الكبيرة» في الاسواق المالية لعام ٢٠١٨ هي الارتفاع في اسعار النفط والذي بلغ ٨٠ دولارا للبرميل للمرة الاولى منذ اربع سنوات. واذا ما كانت تحليلات خبراء اسواق النفط سليمة فإن تكلفة النفط الخام قد ترتفع الى ١٠٠ دولار خلال الاشهر المقبلة وسيكون الحدث الاكبر للعام ٢٠١٩. هذا التحليل منطقي وطبيعي في ظل النمو غير المرتقب للاقتصاد العالمي والذي تخطّى حدود المتوقع وزادت طلبات الدول من النفط كذلك تخفيضات دونالد ترامب الضريبية في الولايات المتحدة، واحجام بنك اليابان والمركزي الاوروبي عن تشديد السياسة النقدية الامر الذي يدعم هذا النمو.
ولا يوجد اي تهديد وشيك بالركود. وفي الجانب الآخر من المعادلة العرض الذي بقي ضمن المعقول مع اوبك واضطرابات ڤنزويلا، لذلك لن يكون هناك تخمة في النفط كما كان في منتصف العقد واذا ما خرجت ايران من اللعبة هناك غيرها من الموردين انما قد يلزم الامر بعض الوقت حتى مع افتراض انهم قد يقرون ذلك. ويبقى النفط الصخري الاميركي وهو مربح جدًا بـ ٨٠ دولارا للبرميل مما يعني ان الامدادات قد تتوسّع وتزيد.
هكذا تبدو اللعبة، وقد تستغرق الامور بعض الوقت لتتضح في ظل التباطؤ المرحلي والفصلي للاقتصاد الاوروبي. كذلك بالنسبة للصين مما قد يعني ان اسعار النفط قد ترتفع لتبلغ الـ ١٠٠ دولار حسب المحللين، وقد يتطلب الامر عدة عوامل غير متوفرة حاليًا واهمها الالتزام الاوروبي وقدرته على تخطي قرارات ترامب والعواقب الاميركية على الشركات الاوروبية.