IMLebanon

خيار ترامب الأول: العقوبات القاتلة

 

 

رغم ارتفاع فرَص توجيه الولايات المتحدة الأميركية ضربة عسكرية لإيران، لا تزال العقوبات الخيار الأول للرئيس الأميركي دونالد ترامب. وحتى لو تَمّت الضربة فإنّ العقوبات لن تتوقف، باعتبارها السيف المُصلت على إيران و«حزب الله».

 

بعد تأكد إدارة ترامب من مسؤولية ايران المباشرة عن الهجوم على منشأتَي النفط «أرامكو» في بقيق وهجرة خريص في السعودية، باتت أميركا مصمّمة على رفع مستوى العقوبات التي يُنتظر صدور حزمة جديدة منها في الساعات المقبلة بحق إيران، وهذا ما طلبه ترامب شخصياً من وزارة الخزانة، مؤكداً انها ستكون مؤثرة من دون أن يستبعد العديد من الخيارات، من بينها ضربة عسكرية لإيران.

 

لكنّ «مطرقة» العقوبات تثير جدلاً في الادارة الأميركية، التي تبدو انها منقسمة حيالها. المتشددون المطالبون بتوجيه ضربة عسكرية يرون في العقوبات تدبيراً غير مُجدٍ نظراً إلى استمرار ايران في مسارها الهجومي، مُنفِّذة عمليات نوعية هنا وهناك، إمّا مباشرة من خلال الحرس الثوري الايراني أو من خلال أذرعها العسكرية المتمثّلة بالحوثيين و«حزب الله» و«حماس» و«الحشد الشعبي العراقي» وغيرها.

 

المعلومات التي يستقصيها الاميركيون تؤكّد انّ الصناعة العسكرية الايرانية مستمرة وبأفضل حال، ولم تتوقف ايران عن تقديم المساعدات لميليشياتها المنتشرة في الشرق الأوسط، بل ارتفعت المساعدات التي تقدّمها ل»حماس» ثلاثة أضعاف، وتتوافر معلومات عن استمرار «حزب الله» في صنع الصواريخ الدقيقة.

 

أمام هذا الواقع، يبدو بعض النافذين في الادارة الأميركية، ومن بينهم ترامب، غير مُدركين طبيعة المجتمعات الثوريّة في الشرق الأوسط، خصوصاً إيران، التي لا يتأثر الرأي العام فيها بالعقوبات الاقتصادية، بل تُحرّكه الخطابات الشعبوية الوطنية والدينية، وتدفعه بحماسة إلى التحدي والصمود.

 

أمّا الرأي الآخر المؤيّد للعقوبات في الادارة الأميركية، وفي مقدّمه ترامب، فيعتبر انها أدّت إلى عَزل إيران عن النظام المالي الدولي، فتراجعت العملة الايرانية بنسبة 64 في المئة، وشَحّت المواد الغذائية. وبعدما كانت صادرات النفط تجني ما لا يقلّ عن 2,5 مليون برميل في اليوم أصبحت الآن 200000 برميل، يشحن معظمها لسداد الديون وليس لكسب العملة الصعبة.

 

ويرى مؤيّدو العقوبات في اميركا أنها ضربت ركائز الاقتصاد الايراني، وأبرزها النفط والمنتجات النفطية وصناعة السيارات. ومن المتوقع ان تتضاعف هذه العقوبات لتشمل فَرض حظر شامل على الدول أو الشركات التي تتعامل فعلياً مع ايران، ما سيَشلّ قدرتها على شراء الأغذية والأدوية. وهكذا تكون اميركا قد أحكمت قبضتها على مفاصل الاقتصاد الايراني، وجعلته معزولاً عن النظام المالي الدولي.

 

ولا شك في انّ الشعب الايراني يعاني من الناحية الاقتصادية جرّاء سياسة العقوبات التي تؤدي إلى حرمانه الدواء والمعدات الطبيّة، ولاسيما التي لها صِلة بعلاج مرضى السرطان. وهذا ما يُناقض نظريات بعض المسؤولين في الادارة الاميركية، الذين يُقللون من أهمية تأثير هذه العقوبات على الشعب مباشرة. ومأساة هذا الشعب انه عالِق بين «سندان» لامبالاة السلطة الايرانية الحاكمة و«مطرقة» العقوبات الأميركية، من دون أن يكون لديه أي قدرة على تغيير الواقع.

 

لكنّ النتائج التي أدّت اليها عقوبات الادارة الأميركية على ايران ليست مأساوية على أرض الواقع، بل وَجدت السلطات الايرانية طُرقاً للتكيّف مع نظام العقوبات من خلال التهريب والتعامل مع دول، مثل روسيا وكوريا الشمالية والصين وأفغانستان ودول الاتحاد السوفياتي سابقاً، بل أكثر من ذلك، تمكّنت ايران من تجاوز الحَظر الاميركي للتعامل مع النظام المالي العالمي من خلال إنشاء نظام ثنائي مع بعض الدول وتسوية الحسابات بعملة أخرى غير الدولار.

 

وهكذا أجرت صفقات ثنائية مع الهند، فباعَتها النفط واشتَرت بعملتها مواد غذائية وسلعاً من السوق الهندية.

 

أمّا «حزب الله» وحلفاؤه في لبنان فسيخضعون لحزمة جديدة من العقوبات، تتزامَن والعقوبات على إيران والحرس الثوري الايراني. وبعدما فرضت الادارة الاميركية بعض العقوبات على المستوى السياسي المعلن في «حزب الله»، ثم طالَت «جمّال تراست بنك» الذي كان يساهم في تغطية أعمال «حزب الله» المالية، وبعدما منع وزراء «الحزب» من دخول الولايات المتحدة، وفي مقدمهم وزير الصحة جميل جبق، ستفرض عقوبات على شخصيات ومؤسسات غير منتمية الى الحزب، لكنها تنتمي إلى بيئة حليفة له، ولاسيما في البيئة المسيحية والبيئة السنيّة، إضافة الى البيئة الشيعية غير الحزبية.

 

وبعض المراقبين يتوقعون أن تطاول العقوبات أسماء في عالم الاقتصاد والأعمال والمال، تعتبر انها تغطّي أو تساهم في تغطية أعمال «حزب الله» المالية، أو تساهم بشكل أو بآخر في تمويل هذا التنظيم.

 

والمقرّبون من «الحزب» يؤكدون أنّ الدورة المالية الاساسية للحزب منفصلة عن الدورة المالية اللبنانية، وبالتالي فإنّ ماليته لن تتأثر كثيراً بالعقوبات الجديدة.

 

صحيح انّ «الحزب» يبدو مُتعايشاً مع هذه العقوبات ولا يكترث لها، لكن لا بد من الاعتراف بأنّ بيئته الشعبية ومؤيّديه من الطوائف الأخرى الذين يرتبطون معه بعمليات مالية قد يُصابون بأضرار مالية واقتصادية موجِعة، وهذا ما يزعج «الحزب»، لأنّ العقوبات مفروضة على حوالى 100 مؤسسة وشخصية محسوبة على «حزب الله»، والتي يحظّر على المؤسسات المالية في العالم تقديم أي خدمات أو تسهيلات مصرفية لها.

 

من هنا صرخة نائب الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم الذي اعتبر «انّ الاميركيين يتدخلون في البلد وإدارة البلد، ويدفعون الأمور باتجاهات معيّنة، ويأمرون الحكومة والبنك المركزي بترتيبات معينة». سائلاً: «هل أصبحنا مقاطعةً اميركية تتلقى الأوامر من الرئيس الأميركي؟»، مؤكداً «أنّ الحزب يدرس الخيارات المناسبة».

 

إنّ كرة ثلج المواجهة الأميركية الايرانية تتدحرج، لكنّ أميركا وإيران لن ينتحرا، ولكلّ منهما حساباته في الربح والخسارة. لذلك، إنّ كل الاحتمالات مفتوحة، وهما يدرسان خياراتهما، وهي ليست قليلة، والأيام آتية لا محال.