IMLebanon

الثقة للحكومة.. وفتح أبواب الحوارات الوطنية

 

كان لرئيس مجلس الوزراء سعد الحرير ما أراد، وانجزت اللجنة الوزارية الصيغة النهائية للبيان الوزاري في فترة زمنية قياسية وغير مسبوقة، ليحال الى مجلس الوزراء للاطلاع عليه واقراره، ومن ثم إحالته الى مجلس النواب للاطلاع عليه ومناقشته ومن ثم إقراره ونيل الثقة المضمونة بنسبة عالية جداً، قد لا تقل عن مئة نائب..

 

الانظار كلها، تتجه الى مرحلة ما بعد اقرار البيان ونيل الثقة النيابية، وهناك تفاؤل ملحوظ بأن ما بعد التشكيل والثقة ليس كما قبلهما.. والحكومة الجديدة أمام امتحان بالغ الأهمية، خصوصاً وأن لبنان، أمام متابعات دولية واقليمية وعربية لافتة، في ضوء ما حصل من مواقف خارجية، وتحديداً من الولايات المتحدة، وبعض الدول الاوروبية والاقليمية، كما ومن «الكيان الاسرائيلي»، خصوصاً أكثر، ان الثنائي الاميركي – الاسرائيلي رفع من سقف تدخلاته واعتراضاته، وقالها بوضوح لافت وصراحة، بل ووقاحة غير مسبوقة، اعتراضا على تمثيل «حزب الله» في الحكومة العتيدة، وتحديداً تسليمه حقيبة الصحة..؟!

 

لم يأخذ الرئيس الحريري بكل هذه التهديدات، وهو قالها بوضوح لافت «ان مصلحة لبنان واللبنانيين فوق اي اعتبار، ومقدمة على سائر المصالح..» من دون ان يقود ذلك الى عزل لبنان دوليا واقليميا وعربياً، بل على العكس من ذلك.. وقد تعزز خياره وقراره هذا، بمواقف غير مسبوقة لـ»حزب الله»، على هذا القدر من «البراغماتية» و»الواقعية»، و»الانفتاح، وقد نجح الامين العام للحزب السيد حسن نصر الله بقطع الطريق على كل المصطادين في المياه العكرة، والعاملين على تعزيز التباينات بين الرئيس الحريري و»المستقبل» وبين «حزب الله»، والساعين الى وضع فيتو على مشاركته في الحكومة الجديدة بمواقع مؤثرة.. ولقد اعتمد الحزب واقعية غير مسبوقة على هذا النحو والاتساع تمثلت أولاً بترشيحه أحد غير الاعضاء في الحزب لحقيبة الصحة.. كما وتمثلت ثانيا بهدوء لافت في اللهجة والمضمون لخطاب السيد نصر الله الاخير، ودعوته الى ضبط السجالات الناشئة (بين «المستقبل» و»الاشتراكي») واعتماد الهدوء عقب تشكيل الحكومة الجديدة، بدل توتير الاجواء واطلاق الاتهامات..» مع تأكيده على اولوية مكافحة الفساد والهدر المالي بهدف تحصين البلد.. وهي مواقف أتت متقاطعة مع مواقف رئيسي الجمهورية ومجلس الوزراء العماد ميشال عون وسعد الحريري.. بل أتت ملازمة لاعلان الحزب رغبته في ان يكون شريكا في اتخاذ القرارات الصعبة، وتحمل المسؤولية جانبا الى جانب الرئيسين وما يمثلانه، بعيداً عن الاتهامات وسير الماضي، داعياً الى فتح أبواب الحوارات في كل الملفات والقضايا.. على خلفية اولوية مصلحة لبنان واللبنانيين والمشاركة في تحمل المسؤوليات..

 

لم يتراجع الرئيس سعد الحريري عن ثوابته المبدئية، السياسية والاقتصادية والمالية والوطنية.. وقرر بين ليلة وضحاها، طي صفحة التسعة اشهر من الشغور الحكومي، ومضى في مسيرته وهو يحمل فوق كتفيه اعباء «ما أنزل الله بها من سلطان..» متمسكاً بسياسة النأي بلبنان عن السقوط في مربعات صراعات المحاور الدولية والاقليمية، من  دون ان يعني ذلك ادارة الظهر للتهديدات الاسرائيلية المتواصلة وقد شدد على حق لبنان وواجبه في مواجهة هذه التهديدات والمخاطر..

 

وعلى ما كان دعا اكثر من مرة الى وجوب ان يضحي الجميع، لتسهيل ولادة الحكومة، فإنه استمر في تحذيره لجهة اذا أراد أي طرف المشاركة في الحكومة على أساس التصادم مع الآخرين، فإنه لن يقبل بذلك اطلاقا، لأن مثل هذا الامر لا يصب في مصلحة لبنان ولا في مصلحة اللبنانيين، والجميع سيكون خاسراً، والرابح الوحيد هم الاعداء..

 

لقد قالها الحريري اكثر من مرة، ان البلد، بل «اننا جميعاً نقف على صوص ونقطة، او من يأخذ هذه الوزارة او تلك..» وهو الذي أكد ان ليس مطروحاً «حكومة اكثرية» تحكم وتواجه اقلية معارضة.. و»حكومة امر واقع» بل «حكومة وحدة وطنية..» بمشاركة الافرقاء (الرئيسيين) كافة، تكون حكومة «وفاق وطني تحمي البلد من كل التحديات..».

 

بمعزل عما ستكون عليه طلّة السيد نصر الله اليوم في اربعينية «الثورة الايرانية»، وما يمكن ان تتضمنه من مواقف تطاول الوضع الدولي والاقليمي، فإن عديدين يتساءلون عما اذا كانت مواقفه الاخيرة تمهيداً لاعادة الحياة الى شرايين العلاقات المباشرة بين «المستقبل» و»حزب الله»، على رغم التبانيات في العديد من المواقف والقضايا.. وهذه مسألة لم تغب عن طلّة السيد نصرالله الاخيرة، بعناوينها الثلاثة، الحرص على أفضل تعاون.. ونفيه ان تكون الحكومة الجديدة هي حكومة «حزب الله» التي يمسك بزمام قراراتها وتوجيه رسالة الى واشنطن وحلفائها، وخلاصتها ان وزارة الصحة، بل الحكومة اللبنانية هي لكل اللبنانيين وليست لحزب او لوزير يتولاها وان الاولوية هي لمصلحة البلد، وقطع الطريق أمام اية تداعيات سلبية؟