بالرغم من قيام وزارة الخارجية الاميركية بـ”تصويب” تصريحات وزير الخارجية جون كيري التي اعلن فيها قبل ايام ان الولايات المتحدة ستكون مضطرة الى التفاوض مع بشار الاسد من أجل التوصل الى تسوية سياسية، وتبعتها تصريحات لمسؤولين آخرين في واشنطن”. تعيد تأكيد الموقف الاميركي المعلن ان لا مكان لبشار الاسد في سوريا المستقبلية، فإن صدقية الادارة الاميركية الحالية ببلوغها مستويات متدنية لا سيما في ما يتعلق بخياراتها الجديدة في الشرق الاوسط حالت دون اخذ “التصويبات” الاستلحاقية على محمل الجد. ففي المنطقة شعور راسخ بأن الرئيس الاميركي باراك اوباما ذهب بعيدا في مسار التقارب، لا بل التحالف مع ايران، وانه منع اسقاط بشار الاسد، وساهم في شكل غير مباشر في نشوء “داعش” ونموها على النحو الذي حصل، من خلال تركه نظام بشار الاسد بالدعم اللامحدود من ايران وروسيا يمعن في ذبح السوريين، وفي مقدمهم قوى المعارضة السلمية، ثم قوى المعارضة المعتدلة والمتنوعة المسلحة التي كانت تتألف في معظمها من الضباط والجنود المنشقين تحت مسمى “الجيش السوري الحر”، ثم منعه طوال عامين و نيف الدول العربية الداعمة للثورة من تسليح “الجيش السوري الحر” بسلاح نوعي يغير في موازين القوى على الارض. وقد اعترف اكثر من مسؤول اميركي سابق بينهم وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، ومعها السفير في سوريا ابان انطلاق الثورة ان الرئيس أوباما ومعه الفريق القريب منه حال دون حسم الوضع في سوريا في وقت مبكر، مما منح الاسد والايرانيين (عبر رئيس الحكومة العراقي السابق نوري المالكي) فسحة من الوقت لاطلاق آلاف الاسلاميين من سجون سوريا والعراق، وتأمين خروجهم الى مناطق سيطرة المعارضة، وتحاشي الاصطدام بهم في مرحلة قيامهم بتنظيم صفوفهم، مما منح تنظيم “داعش ” وقتا ومساحة للنمو في وقت كان النظام يقاتل “الجيش السوري الحر” بلا هوادة، ويمعن في قتل المعارضين السياسيين، و يهجر ملايين المواطنين من فئات محددة من بيوتهم وبلداتهم واحيائهم لقلب المعادلات الديموغرافية.
لا احد اقتنع بـ” التصويب” الاميركي. بل ان جميع العواصم العربية المعنية مقتنعة بان الرئيس الاميركي مصمم على التوصل الى اتفاق على البرنامج النووي الايراني في نهاية الشهر الحالي، واكثر من ذلك انه مقتنع بضرورة اقامة حلف اميركي – ايراني. وهو مستعد من اجل ذلك لترك السوريين يذبحون على ايدي بشار الاسد و”حزب الله” ومجموعة الميليشيات التابعة لايران، فضلا عن انه يترك عشرات القرى والبلدات السنية في العراق تتعرض للحرق والتدمير واهلها للتنكيل والقتل والتهجير على ايدي ميليشيات “الحشد الشعبي ” الايرانية الإمرة، وكل ذلك بذريعة محاربة الارهاب وتنظيم “داعش”. والحق ان ملايين العرب في العراق وسوريا و لبنان لا يرون فرقا بين ارهاب “داعش” وارهاب “الحشد الشعبي ” و”حزب الله” ونظام بشار الاسد و”الحرس الثوري”، ولذلك تنعدم الثقة باوباما.