في حزيران المقبل، تُطرَح الثقة برؤساء المجالس البلدية في لبنان. ينتظر المجلسان البلديان في طرابلس والميناء هذا التاريخ، لمحاولة سحب الثقة من أحمد قمر الدين وعثمان علم الدين. المشكلة الأساسية التي تعترض الأعضاء المعترضين على أداء الرئيسين، هي عدم القدرة على تخطي رغبة كلّ منهم في الحصول على المركز، والاتفاق على اسم البديل
«التوافق السياسي» الذي أتى بالمجالس البلدية، في أيار 2016، انتهى مفعوله لدى أغلبها، بعد جلسة انتخاب الأعضاء لرئيسهم، أي حزيران من العام نفسه. بعد هذا التاريخ، عادت الانقسامات والاختلافات لتأخذ مكانها «الطبيعي». في بعض البلديات، يكون السبب سياسياً، له علاقة بنظرة كلّ فريق إلى المطلوب تحقيقه في المدينة الفلانية، وضمان استمرارية النفوذ. وفي بلديات أخرى، لا تكون الأمور «أعمق» من تنافس على الكرسي نفسه. أحد أبرز المثل على ذلك، التي لم تنضب الأخبار عنها طوال السنوات الثلاث السابقة، بلديتا طرابس والميناء. فمع اقتراب موعد التجديد للبلديات، بعد مرور ثلاث سنوات على انتخابات 2016، تجري محاولات لطرح الثقة برئيس بلدية الميناء عبد القادر علم الدين. من المفترض أن تُعقد جلسة طرح الثقة برؤساء البلديات منتصف حزيران المقبل، لذلك كان العمل يجري بوتيرة سريعة في الميناء لتشكيل جبهة من 11 عضواً، قادرة على قلب الطاولة على علم الدين. جبهة الاعتراض كانت تتشكل حالياً من سبعة أعضاء هم هاشم أيوبي، عبد الرحمن لهبدة، عامر فيض الله، مارك قبرصية، مايز مبيض، عاطف طبوشي، رامز الصايغ. أما العضو الثاني المحسوب على تيار المردة، توفيق عبد، فلم يكن موافقاً على ما يحصل، مُفضلاً الوقوف إلى جانب الرئيس… في المقابل، استنفر أعضاء البلدية الآخرون، ساندين ظهرهم إلى القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر والنائب فيصل كرامي وتيار المستقبل وتيار العزم والوزير السابق رشيد درباس، لضمان بقاء علم الدين في موقعه. ومن أجل تعطيل الهزّة داخل مجلس الميناء، نُظم لقاء بين علم الدين والنائب طوني فرنجية، «بحضور ابن (مسؤول «المردة» في طرابلس والمرشح إلى الانتخابات النيابية) رفلي دياب، واتُّفق على السير بخيار فيصل كرامي، أي عدم طرح الثقة بعلم الدين». لماذا تيار المردة؟ لأنّ مطلعين على القضية يقولون إنّ دياب هو «المُحرك الرئيسي لتنحية علم الدين. تلاقت أهدافه مع أهداف أعضاء آخرين راغبين في الحلول مكان الرئيس الحالي، وتحديداً هاشم الأيوبي».
أهداف دياب، التي يتحدث عنها المطلعون، هي اعتراضه «على عدم تمرير علم الدين مخالفات كان قد طلبها منه وقت الانتخابات النيابية». وقد صدر بيان قبل أسبوع ممهور بإمضاء «تجمع شبابي من المنطقة 13 الميناء» (منطقة تُصنّف أثرية، وتشكل أحياء الميناء القديمة. أما التجمع، فيضم عدداً من شباب المدينة من انتماءات سياسية مختلفة)، يتهم بنحو واضح رفلي «بإسقاط المجلس الحالي… بعد أن رفض علم الدين طلب دياب لناحية قوننة إحدى المخالفات، استشاط غضباً وبدأ بتهديد بعض الأعضاء لناحية عدم إعطاء الثقة لرئاسة البلدية الحالية وانتخاب السيد هاشم الأيوبي بديلاً من علم الدين». واستغل «التجمع الشبابي» الخلافات البلدية، من أجل التصويب على وزارة الأشغال وموقع دياب السياسي، عبر سؤاله: «لماذا لا تستطيع أن تمون على وزارة الأشغال التي لا تتعب من العمل في كلّ مدن لبنان، إلا في مدينتك الميناء؟». البيان الذي صدر بعد تسريب صورة جمعت رئيس البلدية مع عضوي المجلس ربيع غالب وتوفيق عبد، ومسؤول «القوات» في طرابلس جاد دميان، ومسؤول «التيار العوني» في الميناء إيلي دياب (شقيق مسؤول تيار المردة)، اعتبره البعض موجهاً ضدّ تيار المردة، «وحمّل رفلي دياب مسؤوليته لعلم الدين»، بحسب المصادر، ما دفع الأخير إلى إصدار بيان باسمه يوضح فيه أنّ «العلاقة بالأخ رفلي دياب عائلية… أما الحديث عن المخالفات التي تحصل في مدينة الميناء، فليس لدياب علاقة بها». ومن ناحية وزارة الأشغال، «فإن أعمال تزفيت معظم شوارع المدينة جرت بطلب من البلدية إلى الأشغال وقسم منها بناءً على طلب من فيصل كرامي». استكمل علم الدين بيانه، باتصال مع دياب، «لتأكيد أن لا علاقة له ببيان تجمع شباب المنطقة 13»، وعلى ذمة المصادر «فقد حصل الاتفاق بينهما». علماً أنّ دياب قال في اتصال سابق مع «الأخبار» إنّه لا يوجد قرار سياسي بطرح الثقة برئيس البلدية، «ونحن لسنا ضدّه. ولكن إذا كان هناك قرار بطرح الثقة، فلمَ لا؟ هناك فشل بالأداء البلدي. علماً أننا لم نتكلم بالبديل».
يُفضل ميقاتي تغيير رئيس بلدية طرابلس، ولكن لا توافق سياسياً حتى الآن
ويتحدّى دياب أن يكون قد «طلبت خدمة أو تغطية مخالفات من الرئيس. ما يجري الحديث عنه، هو طلبنا خلال الانتخابات النيابية تنفيذ إذن حصلنا عليه من المدير العام للأمن الداخلي عماد عثمان، لأحد المواطنين حتى يسقف سطح منزله بالحديد. رفض علم الدين تنفيذ الإذن قبل الانتخابات، مؤجلاً إياه إلى ما بعد انتهاء الاستحقاق، لنُفاجأ باختياره هذا المنزل دون غيره لإزالة الحديد».
ملاحظات دياب على البلدية لا تقتصر عليه. فجميع القوى السياسية تُجمع على أنّ أصل البلاء هو «في التركيبة غير المتجانسة، ثم تأتي شخصية الرئيس الفردانية بالعمل، وأخيراً غياب برنامج عمل لخدمة المدينة». المفترض أن يكون علم الدين، خلال اجتماع يوم الجمعة، «قد وافق على تبديل طريقة عمله». فالهم الأكبر لدى مسؤولين في الميناء، «عدم تكرار التجربة القديمة، يوم أُقيلت البلدية برئاسة محمد عيسى، وبقينا تحت رحمة المحافظ ثلاث سنوات». اتفاق علم الدين ودياب، لا يعني انتهاء محاولات طرح الثقة، فهاشم الأيوبي «لم يستسلم بعد». فور انتشار صورة الاجتماع بين «القوات» و«التيار» وعلم الدين وعبد وغالب، حملها الأيوبي وتوجه بها إلى عند رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، «ليوحي للأخير بأنّه خارج التوافق».
محاولات طرح الثقة برئيس البلدية، تبدو أكثر «جدية» في مدينة طرابلس. من أصل 22 عضواً (يتشكل المجلس البلدي الطرابلس من 24 عضواً، ولكن سبق أن قدّم يحيى فتال استقالته)، قدّم 11 منهم طعناً بالرئيس أحمد قمر الدين، المقرب حالياً من الأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري. التصويت على ما بعد طرح الثقة، بحاجة إلى جمع أكثر من 12 عضواً يتفقون على اسم رئيس جديد، وهو الأمر الذي لم يحصل حتى الآن. فرغم «الإجماع» بين الأعضاء على وجود مشكلة في أداء البلدية منذ انطلاقتها، تظهر التباينات حول اسم رئيس جديد، لتُعرقل محاولات تبديل قمر الدين. سيؤدي ذلك إلى خيارين: إما إبقاء القديم على قدمه، أو تولي القيادات السياسية اختيار البديل بين عزام عويضة (محسوب على ميقاتي) وصفوح يكن وخالد تدمري وخالد الولي. على ذمة مصادر سياسية متعددة في المدينة «الرئيس ميقاتي يُفضل تغيير الرئيس، ولكن لا يوجد توافق سياسي بعد مع بقية القوى، ولم يُحسَم البديل. من غير الواضح كيف ستنتهي الأمور». من جهته، يحفظ قمر الدين حقّ الأعضاء طلب طرح الثقة بالرئيس، ولكنه يقول لـ«الأخبار» إنّه «لا يوجد مشكل رئيسي، سوى قوم لأقعد محلك».