Site icon IMLebanon

الحقيقة

… يا صديقي اننا دولة ذابلة منذ البدء، ما ارتوت يوماً إلا من مياه الطائفية والمذهبية والإقطاعية العائليّة، وما انتجت إلا اداء فوقياً مكابراً، مثيراً للسخرية، ينتمي تاريخياً الى ما قبل القرون الوسطى. ولا نتطوّر على رغم ثقافاتنا العالية. ونحن اليوم في عين انتخابات بلدية لطالما مرّ بها لبنان، ونصرّ على مبدأ المناصفة في العاصمة بين أتباع السيد المسيح وأتباع النبي محمد عند كل تدبير سلطوي هادف الى بناء الوطن ظاهرياً، وفي الخفاء الى اقتسام ما يهبط على الفريقين من السماء ومن الأرض.

كلّنا مذهبيّون، متخلّفون عن مسيرة بشرية تخطّت من زمان عنصر التقوقع الديني المكبّل، غير قادرين على التحرّر من كل ما يعيق انطلاقنا الى مساحات الضوء. والحكام مسؤولون منذ البدء عن كل فساد تسلّل الى بناء دولة بلا أساسات، مفكّكاً كل مؤسساتها، قاضياً على مستقبلها، مصرّاً على تقديس ظاهرة الزعامة في زمن اندثار الزعماء والزعامات.

ويقولون إنّهم أهل ديموقراطية في حين يطلب الزعماء من محازبيهم أن يرموا في صناديق الاقتراع لوائح أسماء اختاروها “زي ما هيّ”. وهكذا نستمر في كل ما أثمر فساداً وغشّاً تكنولوجياً، ومصادرة أراض وشطآن، وبطالة وانشقاقاً وشللاً، فلا رئيس للجمهورية، ومجلس تشريعي عقيم ممدِّد لذاته، ومجلس تنفيذي فاشل… إنما لبنان بلد ديموقراطي.

وستجري الانتخابات في حمى سلاح 80 ألف أمني وعسكري، فهل مرّ أحدكم أثناء انتخابات سابقة قرب مراكز اقتراع ليرى كيف يقف رجال الأمن والعسكر في حال تأهّب قصوى كأن اسرائيل ستجتاح بعد لحظة؟ وعلى رغم ديموقراطيتنا المشهود لها، صنفنا بالأمس القريب: الدولة العربية الأكثر فساداً.

وحال ما قبل الانتخابات تنذر بعداء في بعض القرى والبلدات بين أفراد العائلات المتنافسة تصل أحياناً الى حدّ حمل السلاح. والظاهرة الصحية الوحيدة، أنثوية، مباركة، فحضور المرأة وإن خجولاً، يحمل وعياً جديداً فيما “الأرض” على أبواب “عصر” المرأة الذي سيعيد التوازن إلى نبضها.

ويا صديقي، سأخبرك أخيراً عن بلدتي برمانا المصابة باهتراء مصيري في ظل مجلس بلدية يمدِّد لنفسه عند كل انتخاب صوري جديد، من دون برنامج عمل، ومن دون منافسين في بلدة غائبة عن الوعي الإداري والانمائي، فالبلدية منفصمة عن المواطنين، بينها وبينهم هوّة كبيرة تسمح لها بكل أشكال الارتكاب، مثل مصادرة الأملاك الخاصة بالخفاء وبلا مراسيم، بتسلّط عثماني يجعلها تستحق لقب “فاسدة” بامتياز… والحقيقة يا صديقي اننا ننتمي الى تركيبة دولة افتراضية مظلمة منذ البدء.