IMLebanon

«القيصر» قائد الحرب وصانع.. السلام؟!

هل قرّر «داعش» إقحام «القيصر» في النزول في «المغطس» السوري حتى أنفه، أم أن «القيصر» أراد ذلك منذ البداية، ولم يكن تحديده للوقت ولأنواع السلاح التي سيستخدمها سوى ستارة من الدخان المصطنع؟

«القيصر»، أراد إعادة صياغة موقع ودور روسيا في العالم الجديد على قاعدة انتهاء مرحلة القوة الأحادية، فدفع الثمن الذي بدا متدنياً بالنسبة للمكاسب التي سيحققها. إسقاط الطائرة الروسية المدنية قلب كل حسابات «القيصر»، وأكد مرة أخرى المعادلة التاريخية أن دخول الحرب بقرار، لكن الغرق فيها تفرضه التطورات الميدانية.

لا شك أن «داعش» قد أثبت أنه ألدّ أعداء نفسه. عملياً وميدانياً، لم يكن يريد أحد القضاء عليه واقتلاعه من جذوره. الكثيرون تعاونوا معه فاشتروا النفط منه، أو تغاضوا عن جرائمه وتمدده. 

اعتبرت القوى الدولية، خصوصاً الولايات المتحدة الأميركية أن «داعش» لا يشبه «القاعدة». خطر «داعش» إقليمي بينما «القاعدة« دولي. للأمانة، وحدها فرنسا اعتبرت «داعش» «مصدر خطر استراتيجي يهدد العالم». لم يوافقها حلفاؤها وفي مقدمهم الرئيس باراك أوباما. فوقعت الكارثة على رأس فرنسا. «داعش» صاحب الدعوة الى «الفتح المتواصل» قفز فوق حدود «الخلافة« ودخل في حرب شاملة ضد العالم.

الآن، أقحمت روسيا أفضل ما في ترسانتها من الأسلحة، وطالب «القيصر» «الرفاق» من الجنرالات ببذل كل ما لديهم. السؤال الواقعي، هل يريد «القيصر» فعلاً الانتصار العسكري أم أيضاً السياسي ليكون صانع السلام؟

اجتماع فيينا وما تلاه يؤشر الى أن «توافقاً روسياً أميركياً قد حصل» دون أن يتجسد هذا التوافق في برنامج واضح ومحدد ومبرمج. لا يكفي أن تتفق موسكو وواشنطن على اتفاق كامل حتى ينفذ.

في «الحروب» السورية توجد أطراف وقوى حتى لو كان بعضها صغيراً فإنه قادر على ضرب أو تخريب أو تأخير الحل. إذاً يجب أن تأخذ صناعة الحل وقتها، في الجو وعلى الأرض وفي الغرف المغلقة.

في الشكل وحتى في المضمون من الواضح أن خطوات عملية لتشكيل تحالف دولي واسع لضرب «داعش» قد بدأت. فرنسا الجريحة «عينها بصيرة ويدها قصيرة»، لكنها قادرة على تحريك المياه الراكدة وتحويلها الى «تسونامي» سياسي وعسكري واسع ومنتج. في 22 الشهر الجاري و26 منه يزور الرئيس فرنسوا هولاند واشنطن ويلتقي الرئيس أوباما. ثم يلتقي فلاديمير بوتين في موسكو. لقد تناسى الجميع أوكرانيا للتحالف ضد «داعش». يحتاج العالم خطة متكاملة عسكرياً وسياسياً وأمنياً لضرب «داعش». القرار اتّخذ، المهم كيفية التنفيذ.

عقدة العقد في قلب هذا التحالف المطلوب هي الاتفاق على مستقبل بشار الأسد. لا يمكن اقتلاع «داعش» وإبقاء الأسد. «الجموع« السنية بوضوح شديد لن تقبل ذلك ولا يمكن الطلب منها الانخراط في هذه الحرب وفي الوقت نفسه إبقاء الأسد. لذلك فإن السؤال المطروح في الأوساط السياسية الدولية متى وكيف؟

مجرّد البدء في وضع و«شطب» أسماء قوائم المرحلة الانتقالية، يعني خطوة الى الأمام لحلٍّ قاعدتُه سوريا بلا أسد. ما قاله جون كيري من «اننا على مسافة أسابيع نظرياً من احتمال انتقال سياسي لا يكون فيه الأسد» يعني أن البحث الجادّ قد بدأ. مجرد طرح اسم فاروق الشرع المبعد، على لائحة شخصيات المرحلة الانتقالية يعني أن محاولة جدية لفتح ثغرة في الجدار قد بدأت. وضع الأسس الضرورية واللازمة لتشكيل بعثة أممية للمراقبة في سوريا، يعني مقدمة لانحسار نفوذ الأسد وكتلته.

الأهم من كل ذلك، التوجه المتزايد نحو «لبننة» النظام السوري القادم، يعني أن نظام الفرد الحاكم المطلق قد انتهى. هذه «اللبننة» أصبحت كما يبدو ضرورية، لتقديم ضمانات لكل الطوائف والعرقيات، لا يمكن لأحد في العالم أن يطمئن العلوي على مستقبله، ولا السني من تحكم العلويين به. «اللبننة» مهما بدت بشعة لأنها تثبت الطائفية والمذهبية فإنها على بشاعتها أخفّ وطأة من استمرار الحرب وسيادة عدم الثقة والقلق لاحقاً.

«القيصر» لم يُشعل الحرب في سوريا. كانت موجودة وأطرافها على مساحة العالم. 

«القيصر» لا يمكنه أن يربح الحرب وحده ولا أن يصنع السلام وحده. يوجد أكثر من «قيصر» للحرب والسلام في سوريا، لكن دوره مهم. 

المؤكد أن «قطار» الحل أصبح في «المحطة» التي سينطلق منها في رحلته الطويلة المليئة بالمواجهات والضحايا والألغام.. و»داعش». لا يكفي ضرب «داعش» في سوريا، اذ يجب البحث في كيفية وقف ولادة التطرف في منطقة الشرق الأوسط نهائياً، لأنه إذا كان «داعش» وُلد بعد وهم بأن «القاعدة» انتهت، فإن ما سيولد بعد «داعش»، إذا استمر تجاهل الأسباب والمكونات التي أغرقت المنطقة بالعنف الأسود، «دواعش» أخطر وأكثر دموية وإرهاباً وستخرج من تحت الرماد.