لماذا لا يحقّق وقف إطلاق النار الروسي – التركي نهاية الحرب في سوريا؟
ثنائية التوقيع على الاتفاق، تختصر هذا الفشل حتى الآن. إيران الغائبة، الحاضرة في التفاصيل القديمة من الطبيعي أنها تريد وتعمل لكي تكون الحاضرة الفاعلة والحاصلة على حصتها في الاتفاق النهائي، وهي التي دفعت مليارات الدولارات في عزّ أزمتها الاقتصادية والمقاطعة الخانقة لها أميركياً وأوروبياً وعالمياً، والأهم أنها فقدت عدداً من خيرة قياداتها العسكرية (حوالى 35 عقيداً وجنرالاً) وخسارتها الدعم والتأييد الإسلامي العربي للثورة بعد أن «تشيّعت» وازداد اتهامها بالعمل لإقامة «هلال شيعي» على حساب السُنَّة.
«ما زاد الطين بلّة» أن تركيا «توأمها» المزاحم والمنافس لها في المنطقة، تقدّمت عليها بعد أن انقلبت
على نفسها فتحالفت مع موسكو لضرورات الأمن القومي بعد أن وقعت بين «السندان والأزميل»، أي بين الأكراد و»داعش».
حالياً، توجد عملية كرّ وفرّ بين طهران وتركيا في سوريا وحولها، بعد أن سلّمت العاصمتان لـ»القيصر« بالقيادة. عماد ذلك أن روسيا هي القوة – المركز في صناعة الحرب والسلم في سوريا. طهران كانت البادئة في التسليم لموسكو بالقيادة، بعد أن طلبت نجدتها بعدما تأكدت أن كل «المستشارين» من قيادات «الحرس الثوري» و»حزب الله» والميليشيات الشيعية العراقية والأفغانية والباكستانية والجيش السوري المرهق لم يعد بإمكانهم الصمود فكيف بتحقيق الانتصارات. جرى تأكيد هذا «التسليم» مع مخالفة القيادة الإيرانية للدستور الإيراني فمنحت «القيصر» حق استخدام قاعدة «همدان» الجوية، ووصل بها الأمر مؤخراً إلى الاستعداد لمنح القاعدة لموسكو ربما مقدّمة للمطالبة والحصول على قاعدة بحرية على الشاطئ السوري.
طهران تشعر وكأن موسكو قد خذلتها إن لم تكن قد «خانتها». لكن الحاجة أُمّ الاختراع. طهران بحاجة إلى موسكو ليس فقط في سوريا وإنما أيضاً في «تهدئة» الرئيس الأميركي القادم دونالد ترامب ضدّها، حتى لا تضطر للعودة إلى ما قبل «المصالحة».
ما يزعج طهران من أنقرة، أنها ما زالت مصرّة على «شطب» الأسد في أي حل، وأنها أضافت إلى ذلك وجوب خروج «حزب الله» من سوريا والعودة إلى لبنان. في صلب كل هذا فإن اقتراب تركيا من موسكو بعيداً عن واشنطن يريح طهران، لكنه في الوقت نفسه يقلقها لأنها مستقبلاً ستأخذ من حصتها. فالحل يتطلب التنازلات المؤلمة عاجلاً أو آجلاً. في قلب هذه التنازلات مستقبل سوريا وطبيعة النظام فيها، ومن ثم الحصص من إعادة إعمارها.
طهران تعرف أن «الانتصار» في حلب لم يكن عسكرياً وإنما سياسياً. عندما قدّمت أنقرة لموسكو الدعم وقبلت بانسحاب المقاتلين من المدينة، كسبت بذلك «المعركة« ضدّ الأكراد بما يمكنها لاحقاً من ربح «الحرب« مع دخولها مدينة الباب وكسر «الشريط» أو «الكانتون الكردي« جغرافياً ممّا يحرّرها استراتيجياً لاحقاً.
حتى لا تدخل هذه الخسارة الذاكرة الشعبية الإيرانية، فإن المرشد آية الله علي خامنئي قدّم انخراط إيران في الحرب لأسباب تتعلّق بالأمن القومي الإيراني فقال: «لو لم نتصدَّ للمغرضين ومثيري الفتنة في سوريا لكان علينا التصدّي لهم في طهران وخراسان وأصفهان».. أما مستشاره علي ولايتي فإنه سَنَد هذا التوجُّه الأمني القومي بالتأكيد أن «الانتصار في حلب هو فتح الفتح»، وقد رافق هذا «الفتح» الذي لا يبقي «لفتح القدس» وصفاً يمنحه حقه، إعلان الجنرال حسين سلامي «أن قوة أميركا إلى زوال». وجاء العون من الرئيس المعتدل حسن روحاني القَلِق على مستقبله في الرئاسة فأعلن للتعويض عن الخسائر السياسية مع موسكو وأنقرة أن «إيران تضطلع بدور مهم في المنطقة واعتراف مَن كان لا يعترف بهذا الدور به».
طهران وأنقرة ستتابعان عملية الكرّ والفرّ، مستقبلاً على قاعدة مَن ينسحب أو يسحب «ميليشياته» قبل الآخر، في وقت تنتظران فيه كما موسكو قرارات دونالد ترامب بعد خطاب القسم في العشرين من هذا الشهر. أما موسكو التي حققت نقاطاً إضافية، عندما نقلت إدارة الحل من جنيف إلى «آستانة»، فأصبح لديها من القدرات للعب على ميزان القوى بحرية أكبر وفاعلية أوسع عبر إدارة التنازع بين طهران وأنقرة على وقع «الكراسي الموسيقية» بقيادة «المايسترو« فلاديمير بوتين، الذي لا شك سيقرّر مع الرئيس ترامب الوقف النهائي لإطلاق النار في سوريا. بعد معارك دموية لتكون «آستانة»، «لوزان« سوريا على طريق أن تكون جنيف «الطائف« السورية.